أدمغة روسيا تهرب منها

13 مارس 2018
خسارة للاقتصاد والمجتمع في روسيا (ستانيسلاف كرازيلنيكوف/ Getty)
+ الخط -
في الوقت الذي تعدّ فيه روسيا مقصداً لملايين المهاجرين من الجمهوريات السوفييتية السابقة، يغادر العديد من الروس بلادهم، متوجهين إلى الدول الغربية إما للدراسة أو للعمل بحثاً عن حياة أفضل لهم ولأبنائهم.

أظهرت دراسة حديثة أجرتها الأكاديمية الروسية للاقتصاد الوطني والإدارة العامة، أنّ العقد الثاني من القرن الجديد، شهد زيادة في هجرة الأدمغة من روسيا، إذ بات 70 في المائة من المهاجرين إلى الدول الغربية من حاملي شهادات التعليم العالي، بينما لا تزيد نسبة خريجي الجامعات بين المهاجرين الآتين إلى روسيا عن 17 في المائة. وبذلك، تعدّ نسبة حاملي الشهادات الجامعية بين الوافدين إلى روسيا أقل بكثير من نسبتهم بين مواطني روسيا البالغة 28 في المائة بين السكان فوق 15 عاماً، وفق التعداد الذي أجري عام 2010.


في هذا الإطار، يعتبر الخبير في شؤون أوروبا الشرقية والوسطى، إيفان بريوبراجينسكي، أنّ الدوافع الرئيسية لهجرة الأشخاص المتعلمين إلى الخارج، ترجع بالدرجة الأولى إلى عوامل اجتماعية واقتصادية. يقول بريوبراجينسكي لـ"العربي الجديد": "ضمّ القرم، والعقوبات، وتشديد الضغط السياسي والدعائي على سكان روسيا، وتقليص البرامج الحكومية للخدمات الطبية والتعليم المجاني، تدفع هذه العوامل بالسكان الأكثر تعليماً ونشاطاً اقتصادياً نحو الهجرة. في أحيان كثيرة، يكون الدافع للهجرة هو البحث عن الآفاق الاجتماعية للأبناء، إذ يعتبر أولياء الأمور أنّهم سيحرمون في روسيا من التعليم والطب الحديثين". وحول الأسباب الأخرى لهجرة الأدمغة، يضيف: "يتعلق سبب آخر بزيادة العدوانية في المجتمع الروسي وعسكرته. وعلى الصعيد الاقتصادي، فإنّ تراجع المداخيل الذي بدأ عام 2013، لم يتوقف حتى الآن".

منذ مواجهته الصدمتين الخارجيتين المتمثلتين في تدني أسعار النفط والعقوبات الغربية بسبب الوضع في أوكرانيا عام 2014، عاش الاقتصاد الروسي أياماً عصيبة بلغت ذروتها عام 2015، حين سجل انكماشاً بلغت نسبته 3.7 في المائة وتضخماً بنسبة 12.9 في المائة أدى إلى تراجع الدخل الحقيقي للفرد وزيادة نسبة الفقراء.

يعتبر بريوبراجينسكي أنّ الحدّ من هجرة الأدمغة يتطلب من السلطات الروسية "محاولة تغيير الجو في المجتمع، وإخراج روسيا من تحت طائلة العقوبات، والاستثمار في المجالين الاجتماعي والتعليمي بدلاً من الدفاع، وتخفيض مستوى الدعاية الرسمية العنيفة، والبدء في تقليص دور الدولة في الاقتصاد حتى يخلق قطاع الأعمال الخاص بنية تحتية اجتماعية حديثة".

منذ تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991 وانفتاح روسيا على الغرب، هاجر ملايين الروس من كلّ الشرائح الاجتماعية والتعليمية والفئات العمرية، بلادهم. ويشغل العديد منهم مواقع مهمة في مجال العلوم والتكنولوجيا في أرقى الجامعات والمعاهد البحثية العالمية.

مع ذلك، يعتبر الأستاذ في "معهد موسكو للفيزياء والتقنيات"، رومان كاراسيف، أنّ حركة هجرة العلماء الروس لا تختلف كثيراً عن سفر الطلاب والباحثين بين ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة، ملخصاً مشكلة روسيا في سهولة مغادرتها وصعوبة مجيء العلماء إليها في المقابل. يقول كاراسيف لـ"العربي الجديد": "تعتمد روسيا نظاماً خاصاً بها للدرجات العلمية لا يتطابق مع أنظمة الدول الأخرى، أضف إلى ذلك أنّ هناك انعداماً في الوظائف الثابتة، فالتعيين هو لمدة خمس سنوات كحد أقصى، والإجراءات غير الشفافة للتعيين، وكثرة ساعات التدريس والإجراءات البيروقراطية مشكلة حقيقية".

حول الظروف المادية والمعيشية للباحثين الروس، يضيف: "بحسب الإحصاءات الرسمية، فإنّ مستوى أجور العلماء وأساتذة الجامعات يقترب من معدلات بلدان أوروبا الشرقية، لكنّه ما زال أقل بكثير من مستويات أوروبا الغربية. وموسكو هي المدينة الوحيدة التي يمكن مقارنة جودة الحياة فيها مع الدول المتقدمة".

يجد أنّ تحسين وضع العلماء في روسيا يتطلب إصلاحاً دقيقاً وتدريجياً لنظام الدرجات العلمية، وفتح وظائف ثابتة ذات أجور تنافسية، والحدّ من البيروقراطية، وتحسين ظروف المعيشة في البلاد بشكل عام.


على العكس من العديد من زملائه، قرر كاراسيف البقاء في روسيا، ويرجع ذلك إلى ظروفه الشخصية الجيدة، إذ لديه سكن خاص به وفاز سابقاً بمجموعة من المنح والمسابقات، مما أتاح له جني أجر معقول.

تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن 10.6 ملايين شخص ولدوا في روسيا انتقلوا إلى الخارج، لتأتي روسيا بذلك في المرتبة الثالثة عالمياً ضمن هذا المؤشر بعد الهند والمكسيك، متفوقة حتى على الصين.
المساهمون