حكايا مطحنة الجليل

24 اغسطس 2015
تحولت المطحنة إلى مزار (العربي الجديد)
+ الخط -

في البلدة القديمة في مدينة الناصرة، تعبق روائح التوابل والأعشاب البرية. وكلّما اقتربت من مدخل مبنى "البابور"، تفوح الرائحة أكثر فأكثر. خليطٌ من الزعتر والمرمية ودقة العدس والبابونج البلدي والقرفة واليانسون، يستقبلك في مدخل العمارة الفلسطينية العريقة.
تقع مطحنة الجليل في مبنى "البابور". مضى على إنشائها نحو 120 عاماً، وقد تحولت إلى ما يشبه المزار. يقصدها السياح من كل مكان كونها تراثية. في ذلك الوقت، قرر الجد جرجورة شراء المطحنة لطحن القمح والحبوب الأخرى، بعدما كان قد عمل فلاحاً لسنين طويلة في بيسان عامر، وقد جمع النقود ما مكنه من شراء المطحنة.

وكان أهالي الجليل والناصرة يزورون المطحنة لطحن وشراء وبيع منتجاتهم المتعددة، كالقمح والبرغل والفريكة والزعتر والذرة. يذهب إليها الناس إما سيراً على الأقدام أو عن طريق الخيول أو الجمال أو الحمير، محملين بجميع البضائع.
بني المبنى العريق هذا قبل أكثر من مائتي عام في السوق القديمة في الناصرة، وكان قد استخدمه الألمان الذين عاشوا في فلسطين في تلك الفترة، قبل أن تستلمه عائلة قنازع قبل 120 عاماً. لدى دخولك المبنى من جهة السوق من شارع البشارة، تجتاز المدخل الذي يأخذك إلى عالم ساحر. وقبل الوصول، عليك أن تنزل درجاً يأخذك إلى غرفة قديمة وكبيرة مليئة بالأعشاب والتوابل.
أما المدخل الآخر فهو من جهة شارع بولس السادس في الناصرة، الذي كان يسمى بساحة الواب المعدة لاستقبال الحيوانات كالجمال والخيل، التي تنقل البضائع. وكان هناك بئر ماء وغرفة انتظار للزوار حتى يتسنى لهم طحن الحبوب.

إذاً تحولت مطحنة الجليل إلى مزار سياحي يروي حكايتي الناصرة والجليل قبل 120 عاماً. في البداية، عملت المطحنة على الباخور والديزل قبل استخدام الكهرباء. في السياق ذاته، يقول صاحب المطحنة، طوني قنازع، لـ "العربي الجديد": "نحن الجيل الثالث ورثنا المطحنة والمتجر عن جدي. واليوم، نسمي وشقيقي المكان بـ (الفابور) أي البخار، لأنها كانت تعمل على البخار".

يتابع: "أذكر، حين كنت طفلاً، كيف كان الناس يأتون لطحن الحبوب. في السابق، كان جيش الانتداب البريطاني يأتي لطحن الشعير والذرة والرز والصويا. هكذا عدّت إحدى أكبر المطاحن في الشرق الأوسط". ويضيف: "نطحن جميع الحبوب والتوابل والبهارات. ما زالت بلادنا غنية بالسمسم البلدي الذي يستخدم مع الزعتر، علماً بأن حبته كبيرة خلافاً للسمسم الأثيوبي، بالإضافة إلى القمح والعدس والشعير". يضيف أن المناجل والغربال وصور الفلاحين تزين جدران المكان. وفي قرى طرعان وكفر كنا والرينة وعرابة البطوف في الجليل، ما زال الأهالي يزرعون السمسم البلدي، بالإضافة إلى قرى محافظة جنين في الضفة الغربية. يستذكر أغنية تراثية قديمة، ويرددها: "السمسم الأخضر فرش الحيطانة، قولوا للتاجر يفتح الدكانة، تنصيغ الذهب لإم عيون ذبلانة".

يشير قنازع إلى أن أفضل سمسم لتتبيلة الزعتر هو البلدي. ويضيف: "أشتريه من فلاحي قرى الجليل، علماً بأنه يستخدم أيضاً في مأكولات أخرى". ويشرح أن السمسم ما زال يحصد باليدين، قبل أن يترك لينشف في الشمس "في بلادنا خيرات كثيرة وخصبة، مثل دقة العدس والمريمية والبابونج البلدي والزعتر البلدي والأقحوان والعسفر وورق الغار، الذي ينبت فقط في جبال الكرمل".

ويلفت قنازع إلى أن الفريكة الفلسطينية ما زالت تزرع في قرية المشهد وعين ماهل في قضاء الناصرة، بالإضافة إلى الحبوب مثل العدس والحمص والجوز واللوز والزعتر. يأتي السياح إلى المكان بشكل دائم. يجولون في المطحنة التي تجمع خيرات فلسطين بين الجليل ونابلس وجنين، بالإضافة إلى مؤن مستوردة من تركيا والصين وغيرها من دول العالم.

بهارات وأعشاب
يحتوي المتجر على 2500 نوع من التوابل والأعشاب والبهارات والزيوت. أيضاً، يقول صاحب المطحنة طوني قنازع إن هناك توابل وبهارات خاصة نحضرها لمطبخنا الجليلي الفلسطيني، مثل الشاورما ومقلوبة الباذنجان والمحاشي والكبة وغيرها. إلى ذلك، فإن زبائن المطحنة والمتجر هم من الجيل الثالث، علماً أنهم كانوا قد حضروا إليها للمرة الأولى وهم أطفال، برفقة أجدادهم.

اقرأ أيضاً: الرمان سلاح أراضي الـ48