كورونا يعرّي القطاع الصحي في العراق

25 يونيو 2020
تجهيز معرض بغداد الدولي للمصابين (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

الحديث عن فساد القطاع الصحي في العراق ليس جديداً. لكن بدا الأمر أكثر سوءاً في ظل أزمة كورونا وعجز المستشفيات عن استقبال المصابين بالفيروس، وإن كانت هناك مساع لإنشاء وحدات جديدة للعزل.

يستمرّ العراق في تسجيل ارتفاع لعدد المصابين بفيروس كورونا الجديد في البلاد، الأمر الذي يُربك وزارة الصحة التي تعاني من نقص في عدد المستشفيات والمختبرات والمعدات. وتواصل الفرق الطبية فحص المصابين وحجرهم بما هو متوفر، ما أدى إلى إصابة العشرات من الكوادر الصحية بالفيروس. ويرى مراقبون أن الفساد المالي والإداري المستشري في قطاع الصحة بات أكثر وضوحاً خلال أزمة كورونا، علماً أن ملفات الفساد والفضائح المتعلقة بالقطاع الصحي كانت كثيرة خلال السنوات الماضية. لكن جاءت أزمة كورونا لتكشف عن التراجع الكبير في الخدمات الصحية التي يتلقاها العراقيون في المستشفيات.

وكثيراً ما واجهت وزارة الصحة اتهامات بالفساد، ولعلّ أبرزها في عهد وزيرة الصحة في حكومة حيدر العبادي عديلة حمود. وقدّم أكثر من عضو في مجلس النواب العراقي ملفات عدة تتعلق بالفساد، من بينها فضيحة شراء أجهزة غسيل الكلى التي تحدث عنها النائب جواد الموسوي، إضافة إلى صفقة الأحذية الطبية. وتواجه الفرق الطبية في العراق مشاكل كثيرة، أبرزها النقص في المعدات الطبية، ما دفع عدداً من الأطباء في محافظة بابل (جنوب بغداد)، إلى تقديم استقالاتهم من دائرة صحة المحافظة احتجاجاً على عدم توفير المستلزمات المطلوبة لممارسة أعمالهم. وجاء ذلك بعد وفاة مسؤول الكادر التمريضي العامل في الجزء المخصص للمصابين بكورونا في مستشفى الصادق في المحافظة.

في هذا الإطار، يقول عضو البرلمان العراقي رعد المكصوصي، لـ"العربي الجديد"، إن "الممرضين والأطباء في المستشفيات العراقية يواجهون اليوم أكثر من وحش في المستشفيات. إلى جانب الفيروس المنتشر والذي راح ضحيته مئات العراقيين وعشرات الأطباء، لا تتوفر المستلزمات الطبية والصحية والمعدات الضرورية والوقائية لمعالجة المرضى ومواجهة الفيروس". ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومات العراقية بعد عام 2003 انشغلت بصفقات الفساد واختلاس الأموال وأهملت القطاع الصحي. بالتالي، فإن أزمة كورونا فضحت كل الفساد السابق، الذي كان الشعب العراقي يسمع عنه ولا يراه. الآن، باتت الأمور أكثر وضوحاً بعدما بات مصابو كورونا من دون مستشفيات".



من جهته، يقول رعد الدهلكي، وهو عضو في تحالف القوى العراقية، إن "أكثر من 90 في المائة من المستشفيات الحالية في العراق أنشئت في عهد الحكومات العراقية التي سبقت الاحتلال الأميركي، وبعضها يعود إلى حقبة العهد الملكي، أي أن حكومات ما بعد الاحتلال لم تتمكن من تأسيس نظام رعاية صحي محترم، لكنها تمكنت من الاستثمار في المجال الصحي على حساب المواطن العراقي المحروم". يتابع الدهلكي حديثه لـ"العربي الجديد"، بأن "أزمة كورونا عرّت حكومات الطائفية والمحاصصة وفضحت الساسة الذين نهبوا العراق على الرغم من توفر الأموال والموازنات الكبيرة خلال الأعوام السابقة. لذلك، لا بد من الضغط على الحكومتين العراقيتين الحالية والمقبلة برلمانياً وشعبياً من أجل التأسيس لنظام صحي يخدم العراقيين وينجيهم من الأزمات والأوبئة".

ويبدو أنّ وزارة الصحة عاجزة عن بناء مستشفيات لدرجة أنها عمدت إلى تحويل مبان من متبرعين إلى مستشفيات مؤقتة. وأخيراً، أعلنت الوزارة عن المستشفيات التي سيتم افتتاحها لتقديم الخدمات للمصابين بفيروس كورونا، مؤكدة استخدام "معرض بغداد الدولي"، الذي يقع في قلب العاصمة، كمركز لحجر المصابين بكورونا. وتبلغ مساحة المعرض أكثر من خمسة كيلومترات مربعة. وقال وزير الصحة حسن التميمي، في بيان، إن "العمل مستمر في تهيئة وتجهيز مراكز لعزل المصابين بفيروس كورونا، بعد استثمار قاعات في معرض بغداد الدولي من أجل تقليل الازدحام في المستشفيات العامة، والاستمرار في تقديم الخدمات لباقي المرضى، وتوفير الانسيابية في استقبال الحالات المشتبه بها". أضافت الوزارة في بيان، أنها تقود حرباً مصيرية ضد جائحة عصفت بالعالم أجمع وانهارت أمامها منظومات صحية عالمية متقدمة وأنظمة اقتصادية رصينة. وحتى هذه اللحظة ما من علاج أو لقاح لمجابهة هذه الجائحة.

من جهته، يقول الطبيب في دائرة صحة الرصافة في بغداد، مصطفى الخياط، إن "المستشفيات في العراق لا تعاني من نقص في أجهزة التنفس الصناعي والمعقمات والكمامات فقط، بل إنها عاجزة عن الاستعانة بمزيد من الأطباء، على الرغم من كثرة عدد الخريجين من الكليات الطبية، الأمر الذي أدى إلى نقص في الموارد البشرية وضغوط هائلة، إضافة إلى إصابات بين الأطباء". يضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "عدد الأسرة المتوفرة أقل من عدد المصابين، وقد طلب من أكثر من ثلث المصابين بالفيروس في بغداد عزل أنفسهم في منازلهم، بسبب عدم توفر المستلزمات في المستشفيات. وهذا الأمر قد يؤدي إلى عدم التزام المصابين وبالتالي انتشار العدوى".



وفي وقت سابق، أعلن عضو لجنة الصحة في البرلمان العراقي، جواد الموسوي، هدر أكثر من 50 بالمائة من الأموال التي خصصت لبناء مستشفيات في العراق. وقال في مؤتمر صحافي، إن "الواقع الصحي في العراق، ومنذ أكثر من 10 سنوات، يتجه من سيئ إلى أسوأ"، مضيفاً أنه كان قبل 20 أو 30 عاماً أفضل مما هو عليه الآن. وأشار إلى أن "الفساد منتشر في مختلف الوزارات العراقية، ومنها وزارة الصحة، وقد خصصت أموال كثيرة لبناء المستشفيات في مختلف المحافظات، إلا أن أكثر من 50 في المائة من تلك الأموال تُهدَر من جراء الفساد، وهذا مثبت بالوثائق التي أرسلناها إلى هيئة النزاهة والمجلس الأعلى لمكافحة الفساد".
دلالات
المساهمون