تعمل مدارس تركية على تعزيز روح التعليم من خلال النشاطات الترفيهية المختلفة، التي شهدت مؤخراً طفرة أسس لها معلمان من خلال عبارة وأغنية تدعوان التلاميذ إلى الابتسام
تعتبر مريم نور، المعلمة في روضة "هاتا تراك" في محلة إيدرنا كابيه بإسطنبول، أنّ "إدخال الفرح إلى قلوب الأطفال وتهيئتهم نفسياً وجسدياً شرط أساسي لدينا ليتقبلوا التعليم، كونهم صغاراً مشتتين ما بين المنزل والروضة أو المدرسة، لذلك، أهم واجباتنا خلق رابط بينهم وبين مقر التعليم، كي يحبوه وتكون لهم صلة حتى مع ما فيه من تجهيزات". تتابع نور لـ"العربي الجديد": "يبدأ يومي معهم، بعد وصولهم، بعناق وقبلات، ليشعر الطفل بأنّه ترك أمه التي أوصلته إلى الروضة، ليستقبل أمه الثانية. الابتسامة والفرح من تلك الشروط التي نحققها للأطفال، وذلك عبر طرق كثيرة، منها الأغاني والرقص ومنها يوم الألعاب الأسبوعي، إذ يجلب كلّ طفل ألعابه من منزله ويعيدها حين مغادرته، كما نعمد إلى تلوين وجوههم، ونكثر من الأشغال اليدوية وإعداد الطعام والرحلات الخارجية، لما في ذلك من تعزيز للألفة بين الأطفال والمدرسة، ما يفيد في تقبلهم التعليم". وحول شعار "الابتسامة معدية" وبدء انتشاره بالمدارس التركية، في الفترة الأخيرة، تضيف المعلمة التركية: "لم يصلنا تعميم لكنّنا سمعنا القصة وانتشرت التجربة بولايات جنوبي تركيا، ونحن نعتمد أسلوب الغناء والضحك قبل ذلك، لكنّ الفكرة مهمة وليت الغناء يعمم على جميع المدارس، ليبدأ التلاميذ يومهم بالنشاط الجسدي والابتسامة".
وكان مدرّس الصف الرابع الابتدائي، خلوصي تشاكير، قد بدأ هذه الموجة، حين كتب على جدار الصف عبارة "الابتسامة معدية"، بالتزامن مع مبادرة معلم موسيقى إلى تأليف أغنية "ابتسم يا طفل"، لينتشر الشعار والأغنية معاً في 150 مدرسة في 50 مدينة تركية، بعدما شاركهما الآلاف عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يعلّق تشاكير الذي يتولى منذ عشرة أعوام التعليم في مدرسة "أك كوبرو" في مدينة توشبا بولاية وان، جنوبي شرق تركيا، أنّه كتب عبارته على جدار الفصل المدرسي منذ تسعة أشهر للفت انتباه التلاميذ إلى أهمية الابتسام. وشارك تشاكير صوراً ومقاطع فيديو مع تلاميذه ومن خلفهم عبارة "الابتسامة معدية"، لتلاقي تفاعلاً كبيراً من المتابعين. ويقوم المعلمون في مختلف المدن التركية بتعليق هذه العبارة على جدران صفوفهم لجمالها ولدعم انتشار رسالة المعلم تشاكير.
يعرب تشاكير عن سروره بتمكّنه من غرس فكرة "الابتسامة معدية" في عقول تلاميذ صفه وتلاميذ المدارس في أنحاء مختلفة من تركيا، وعن رغبته في إيصال البسمة إلى جميع الأطفال الذين لا يضحكون في جميع الولايات والمدن التركية، من توكات إلى أدرنة ومن هكاري إلى إزمير.
من بين المعلمين الذين تأثروا بهذا الشعار وعلقوه في الفصل الدراسي معلم الموسيقى تشاتاي كوربوس، من "ثانوية الأناضول التقنية والمهنية محمد أوبجون" في ولاية غازي عينتاب، جنوبي شرق تركيا، الذي ألّف ولحّن أغنية "ابتسم يا طفل" وصوّرها وهو يؤديها مع تلميذاته، وشاركها على وسائل التواصل الاجتماعي. يقول كوربوس إنّه رغب من خلال الأغنية في إيصال رسالة تشاكير إلى الأطفال، وقد تلقى تشجيعاً من مختلف الوزارات ومديريات التربية الوطنية، مع الدعم لهذه المبادرة التي انطلقت من الصف الرابع، وهي آخذة في الانتشار في جميع الفصول والمدارس في أنحاء البلاد.
وتتشابه طرق وأساليب الترفيه وزرع الابتسامة بالمدارس التركية، إذ تقول التلميذة، إيرام جابارلار، من "مدرسة الإمام الخطيب" بمديرية الفاتح، في إسطنبول: "لدينا حفلات مسرحية شهرية في المدرسة، كما نقيم حفلات عيد الميلاد للتلميذات والمعلمات، بالإضافة إلى استئجار صالات سينما ثلاثية الأبعاد، وتتبادل التلميذات الهدايا في المناسبات والأعياد، فضلاً عن رحلات إلى معالم إسطنبول ومناطقها السياحية". تتابع: "وصلتنا أغنية ابتسم يا طفل، وسمعناها مراراً خلال دروس الموسيقى، التي نتعلم فيها العزف على آلة ميلوديكا، ونغني أغنيات تركية بالإضافة إلى الأناشيد الوطنية".
توافق المعلمة التركية بمدرسة "ياووز سليم" في إسطنبول، سمية أوزغون، بالقول: "نحن مدرسة متوسطة، وربما تفيد الأغنية التلاميذ الصغار، من رياض الأطفال والابتدائي، لكنّ لدينا أساليب أخرى، لزرع الثقة والابتسامة والنشاط الذهني والجسدي لدى التلاميذ". تفسر: "تبدأ القصة مني، وقت دخولي إلى الصف، إذ أحاول نشر الراحة لدى التلاميذ، أحياناً عبر دعابة أو مفارقة مضحكة، وأحاول أن يشارك الجميع لكسر الحاجز النفسي والخوف، لأنّ ذلك يعزز من ثقتهم بأنفسهم. وبعد ذلك يكونون جاهزين للضحك والمشاركة خلال الدرس". وحول طرق الترفيه وزرع الابتسامة، تقول المعلمة التركية: "ننظم رحلات ترفيهية، بعضها طويل المدة، مثل مرافقة التلاميذ إلى مدينة جنق قلعة لمدة يومين، وننظم مباريات بين تلاميذ المدرسة، وبمشاركة مدارس أخرى أحياناً، منها مباريات رياضية ومنها ترفيهية". تستدرك: "تولي مديريات التربية اهتماماً بالغاً بالموسيقى، سواء العزف وتعليمه على بعض الآلات، أو الغناء مع التركيز على الغناء الجماعي لتكريس روح الفريق بين التلاميذ، بالإضافة إلى الرقص على الأغاني الفولكلورية التركية". وفي ما يخص التلاميذ السوريين، تؤكد أوزغون، أنّ لهم ما للتلاميذ الأتراك: "نحرص على عدم التمييز أو حتى ذكر أنّهم سوريون، فهم اندمجوا وبعضهم تميّز حتى على أقرانه الأتراك".
من المدارس السورية في إسطنبول، مدرسة "محمد عاكف إنان" التي تضم نحو 600 تلميذ في الصف الثالث الثانوي. يقول معاون مدير المدرسة خالد الأسعد لـ"العربي الجديد": "تلاميذنا شباب، فربما تنجح أساليب الإضحاك مع الأطفال الصغار. ولا أخفي عليكم أن تلاميذنا مثقلون بالهموم والمشاكل وقلما يشعرون بالأمان نتيجة ضبابية مستقبلهم". يتابع: "مدير تربية إسطنبول لم يقبل مئات التلاميذ السوريين الآتين من الداخل أو من دول الخليج في الصف الثالث الثانوي إن لم يتسلسل التلميذ بسنواته السابقة في المدارس التركية. هذه المشكلة جاءت بعد قصة ترحيل من لا يملك بطاقات الكيملك الخاصة بولاية إسطنبول، ما شتت معظم تلاميذنا، قبل حلّها أخيراً".
ومع سؤال "العربي الجديد" أنّ هذه المشاكل تزيد من مسؤولية المدرسة لإراحة التلاميذ وتعزيز ثقتهم بأنفسهم عبر الترفيه والضحك فلماذا لا تلجؤون إليها؟ يقول الأسعد: "لا شك في أنّنا نحاول بحسب إمكاناتنا، فننظم مثلاً مباريات كرة قدم بين الصفوف، كما شكلنا فريقاً يتبارى مع مدارس أخرى. ليست لدينا حصص موسيقى ضمن البرنامج، لكن هناك نشاطات بسيطة كالمشاركة في المعارض، وزيارة بعض المعالم الترفيهية والسياحية".