موريتانيون يستغيثون بـ"رئيس الفقراء"

25 فبراير 2017
هل تصله أصوات المحتجّين؟ (سيلو/ فرانس برس)
+ الخط -

تتكرّر في الآونة الأخيرة الاحتجاجات التي تُنظَّم أمام مقرّ رئاسة الجمهورية في موريتانيا، والمشاركون فيها يحملون قضاياهم آملين أن يتمكّن الرئيس من حلّها.

ست وقفات احتجاجية يومياً، معدّل التظاهرات التي تنظَّم أخيراً أمام القصر الرئاسي في موريتانيا ويطالب خلالها موريتانيون بتوفير خدمات الماء والكهرباء والسكن والعمل وغيرها. تُضاف إلى ذلك مطالبات أصحاب المظالم الشخصية الذين يسألون الرئيس محمد ولد عبد العزيز التدخّل مباشرة لحلّها.

حجم التظاهرات ذات العناوين المختلفة واتخاذ القصر الرئاسي مركزاً لها، يؤشّران إلى حجم المشكلات المطلبية والتنموية التي يعانيها الموريتانيون وعجز مؤسسات الدولة عن حلّ مشكلات المواطنين. بالتالي، يرى أصحاب المطالب أنفسهم وهم يفضّلون طرحها على الرئيس شخصياً دون غيره.

تتصدّر مشكلات الأحياء العشوائية مطالب المتظاهرين أمام القصر الرئاسي، فالعاصمة نواكشوط تطوّقها أحياء الصفيح الفقيرة التي تفتقر إلى أبسط الخدمات. وعلى الرغم من خطط الحكومة بشأن توزيع الأراضي على عشرات آلاف المواطنين خلال السنوات الثماني الماضية، إلا أنّ تمدّد الأحياء العشوائية لم يتوقف والنزاعات على قطع الأرض تفاقمت بعدما تدفّق سكان الريف بأعداد كبيرة إلى العاصمة، مع بدء تنفيذ مشروع توزيع الأراضي في عام 2008. يُضاف إلى ذلك افتقار أحياء شعبية عدّة مشرّعة، إلى خدمات الماء والكهرباء وشبكات الطرقات.

في واحدة من آخر الوقفات الاحتجاجيّة، وقفت عشرات من نساء حيّ الترحيل 19 وعشرات أخريات من حيّ التيوات، وحملن لافتات متنوّعة، أمّا مضمونها فواحد: توفير الماء والكهرباء والطرقات بالإضافة إلى الدكاكين التي تبيع المواد الغذائية الأساسية المدعومة من الحكومة.

خادم الله بنت إبراهيم، من هؤلاء المتظاهرات، وقد ناشدت الرئيس الموريتاني بالتدخّل لحلّ مشكلات الحيّ الفقير. تقول لـ"العربي الجديد": "نريد الماء، نريد الكهرباء، نريد الطريق. من يمرض منّا، كيف ننقله إلى المستشفى والسيارات لا تستطيع الوصول إلى الحيّ لأنّ الطريق غير معبّد؟". وتشدّد على أنّها لا تثق بالمسؤولين المحليين، "لذا أريد أن يسمعني الرئيس ويسمع النسوة المتظاهرات أمام مقرّ الرئاسة". وتوجّه بنت إبراهيم انتقادات لوكالة التنمية الحضرية المسؤولة عن تنفيذ مشاريع الإسكان، بسبب تأخّر حسم النزاعات على قطع الأرض ذات الملكية المشتركة المعروفة محلياً باسم "المداخلات"، وتتّهم "بعض عمّال الوكالة بالفساد والزبائنية".

وكانت وزيرة الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي، آمال بنت مولود، قد أوضحت في 22 يناير/ كانون الثاني الماضي أنّ لجان ترحيل العشوائيات أحصت 119 ألف أسرة، رُحّلت منها أربعة آلاف و600 أسرة. أضافت أنّ الوزارة تلقت نحو خمسة آلاف وثمانين شكوى حول الأراضي، وتمّ البتّ في ألف و151 منها.




كمارا عليون، من المحتجّين الدائمين. يتحدث لـ"العربي الجديد"، عن معاناته وزملائه العمّال في شركة النظافة الفرنسيّة "بيزيرنو" بعد إلغاء عقد لتنظيف العاصمة نواكشوط. فهؤلاء لم يتسلّموا مستحقاتهم المالية. يقول: "لم يُنَفّذ ما وُعدنا به. لذا نحن نطالب الرئيس بالتدخّل لدى مجموعة نواكشوط الحضرية لتعطينا أموالنا. الشركة تقول إنّها لدى مجموعة نواكشوط الحضرية. تظاهرنا لأشهر عدّة أمام البلدية، وبعد ذلك جئنا إلى هنا لتوصيل صوتنا إلى الرئيس. هو يقول إنّه رئيس الفقراء، ونحن فقراء".

لا تخفي الحكومة الموريتانية اعتزازها بأنّ مواطنيها قادرون على التظاهر أمام مقرّ الرئاسة. وقد سمح الأمن الموريتاني لهم في الغالب، بالتظاهر أمام الساحة المقابلة للقصر الرئاسي. يُذكر أنّ أحد مستشاري الرئيس يخرج في بعض الأحيان ويلتقي المحتجّين ويسجّل مطالبهم بهدف إيجاد حلّ لقضاياهم.

في هذا السياق، يعبّر الباحث الاجتماعي يعقوب ولد الداه عن قلقه حيال "حجم التظاهرات الفئوية الذي ينذر بأزمة معيشية وتنموية في البلاد، ويفضح ترهّلاً وعجزاً في جهاز الدولة وفشلاً في نظام اللامركزية في موريتانيا". يضيف لـ"العربي الجديد": "حينما لا يجد مواطنون يطالبون بالسكن والماء والكهرباء مكاناً للتظاهر غير القصر الرئاسي ولا مسؤولاً سوى الرئيس، فإنّ هذه كارثة. ولو افترضنا أنّه قادر على حل كلّ تلك المشكلات، فهذا يعني أنّه سوف يغرق في جزئيات، من مسؤولية الحاكم أو الوالي أو العمدة الاهتمام بها".

ويشير ولد الداه إلى أنّ "الهجرة من الريف إلى العاصمة والمدن الكبرى اتّسمت بالفوضوية. كذلك، باءت بالفشل خطط الحكومة في مجال تعزيز اللامركزية وتشجيع المواطنين على البقاء في مناطقهم الريفية. ففي الولايات الداخلية، لا تتوفّر بعض الخدمات الأساسية. أمّا الخدمات التي نجدها فهي ضعيفة وهشّة، فيما فرص العمل شبه منعدمة". ويحثّ الباحث الحكومة على "التدخّل بصورة عاجلة لحلّ المشكلات التنموية في الأحياء الشعبية في العاصمة وفي ولايات الداخل، وإلا فإنّ البلاد سوف تدخل في أزمة خطيرة". بالنسبة إلى ولد الداه، فإنّ السماح للمواطنين بالتظاهر أمام القصر "تصرّف مناسب ويستحق الإشادة. لكنّه ليس هدفاً بحدّ ذاته ولا بد من توفير آليات أكثر انسيابيّة توفّر للمواطنين سبلاً للتظلم وطرح المشكلات لإيجاد حلول لها".