إصرار دنماركي... سورية آمنة لعودة اللاجئين

03 ابريل 2019
ترحيب بطالبي اللجوء في كوبنهاغن قبل أعوام (فريديريك سولتان/Getty)
+ الخط -

تتّجه حكومة يمين الوسط الدنماركي إلى دفع آلاف طالبي اللجوء السوريين في البلاد نحو سورية، تحت مبرّر "تحسّن الوضع الأمني". بخلاف ذلك، أفاد "مجلس اللاجئين الدنماركي"، وهو المؤسسة الرسمية المسؤولة عن أوضاع اللاجئين منذ لحظة دخولهم البلد، يوم الإثنين الأوّل من إبريل/ نيسان الجاري، بأنّ الإشارة إلى "هدوء وسلام" في سورية "ليست إلا سوء فهم للأوضاع".

وكان سجال قد انطلق بالدنمارك في شهر فبراير/ شباط الماضي وما زال مستمراً حتى اليوم، على خلفيّة تقرير رسمي لوزارة الهجرة؛ فقد خلص التقرير بعد زيارتَين ميدانيّتَين قام بهما موظفون رسميون لدمشق وبيروت، إلى أنّ مناطق كثيرة في سورية تشهد تحسناً وهي "هادئة وآمنة"، بالتالي تستطيع الدنمارك إعادة طالبي اللجوء إليها. ومحاولات الحكومة الدنماركية التي يؤيّدها اليمين القومي في حزب الشعب الدنماركي للإقرار بأنّ "محافظة دمشق مكان آمن" كنقطة بداية لوقف منح الإقامة لطالبي اللجوء أو الوافدين في إطار لمّ الشمل، لقيت معارضة كبيرة بين السوريين المنتظرين نحو ثلاثة أعوام للمّ شمل الأزواج والأطفال، إلى جانب قيام جدال حقوقي وسياسي.

في رسالة مفتوحة نشرتها مديرة اللجوء في "مجلس اللاجئين الدنماركي"، إيفا سينغر، في الصحافة المحلية، أشارت إلى أنّ ثمّة معطيات خاطئة تنتشر حول الأوضاع في سورية تعدّها آمنة وتدعو بالتالي إلى رفع الحماية عن السوريين في الدنمارك وإعادتهم إلى بلادهم. أضافت أنّه استناداً إلى حقيقة الوضع في سورية بالنسبة إلى الذين طلبوا الحماية (اللجوء) في الدنمارك، فإنّ كلمتَي "هادئة وآمنة" اللتين احتواهما تقرير وزارة الهجرة الرسمي لا تتناسبان واستمرار حاجة هؤلاء المهاجرين إلى اللجوء. وأكدت سينغر في رسالتها أنّ "الوضع في سورية لا يزال غير آمن. أوّلاً، لا يقين حول الطريقة التي سوف يعامل فيها النظام السوري المواطنين الذين هربوا من البلد، وثانياً لا يمكن استبعاد إقدام الحكومة في سورية على معاقبة الذين عمدوا إلى اللجوء".




ولفتت سينغر إلى أنّ "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لم تتوصل، في مباحثاتها مع السلطات السورية، إلى ضمانات لأمن المهاجرين طالبي اللجوء الذين يعودون إلى بلادهم". ويأتي كلام سينغر رداً على تزايد ضغط اليمين المتشدد على حكومة يمين الوسط بهدف البدء بتنفيذ اتفاق إعادة السوريين الحاصلين على لجوء مؤقّت إلى بلادهم "اليوم قبل الغد"، بحسب ما عبّر عنه مقرّر شؤون الهجرة في حزب الشعب الدنماركي مارتن هينركسن. وبرّر هينركسن كما يمين الوسط الأمر بأنّ "السوريين حصلوا على حماية بسبب أوضاع عامة في بلادهم، بالتالي فإنّ تحسّن تلك الأوضاع (على خلفيّة تقرير وزارة الهجرة) يستدعي البدء بتطبيق خطة إعادة هؤلاء إلى بلادهم ليساهموا في إعادة إعمارها، بدلاً من البقاء لأعوام في الدنمارك". فردّ مجلس اللاجئين الدنماركي على ذلك، مشيراً إلى أنّ "الوضع الشخصي للفرد طالب اللجوء لا يرتبط فقط بالصراع، بل بوضعه هو وظروفه وإذا كان لا يزال في حاجة إلى حماية".

بحسب ما أكّده المجلس، فإنّ التقرير الذي استندت إليه الحكومة، من خلال بعثتَين رسميّتَين لموظفين في وزارة الهجرة (إلى جانب أمنيين رافقوا الزائرين إلى دمشق والتقوا بأمنيّين سوريين ممثلين عن النظام وفقا لما نشرته "العربي الجديد" في وقت سابق استناداً إلى معلومات خاصة)، تجاوز "عدداً من النقاط المرتبطة بحقيقة ما يجري وركّز فقط على التعامل السطحي مع منطقة واحدة هي محافظة دمشق، كأنّما هي تعكس كل الواقع في سورية. لكنّ ذلك غير حقيقي، إذ إنّ القصف والقتال ما زالا مستمرَّين ويتأثر بهما المدنيّون". هذا ما جاء على لسان سينغر في معرض ردّ المجلس على سؤال حول حاجة السوريين طالبي اللجوء في الدنمارك إلى حماية أو لا.

يأتي ذلك وسط مخاوف يعبّر عنها طالبو لجوء سوريون، فيتحدّث مأمون العمر، وهو طبيب سوري هرب في عام 2015 إلى كوبنهاغن، عن "الإحباط واليأس، عندما تجد نفسك في دولة يُعرف عنها أنّها في المقدّمة ديمقراطياً وحقوقياً لكنّها تتعامل بلا مبالاة وإهمال فظيعَين معنا كأنّما هي تتقصّد التشدّد حتى نغادرها ونعود إلى جلادينا". يضيف العمر لـ"العربي الجديد": "اليوم بتّ أفهم لماذا توجّب عليّ الانتظار أكثر من ثلاثة أعوام ليوافقوا على لمّ شمل بناتي الصغيرات وزوجتي، اللواتي هربت أنا في الأساس لإنقاذ حياتهنّ".

العمر ليس وحده، وتعلو أصوات سوريين مندمجين ويجيدون اللغة ويتابعون دراستهم الجامعية في الدنمارك على الرغم من أنّ إقامتهم قانونياً مؤقّتة، أي يمكن عدم تجديدها وسحبها منهم في أيّ وقت. الشابة السورية سيدرا اليوسف على سبيل المثال، وجّهت إلى الدنماركيين رسالة عبر صحيفة "إنفورماسيون" الدنماركية في نهاية الأسبوع الماضي، تحت عنوان "لا أريد المساهمة في إعادة إعمار الديكتاتورية التي هربت منها". يُذكر أنّ اليوسف، وهي ابنة عضو سابق في البرلمان السوري، كانت قد وصلت إلى الدنمارك قبل أربعة أعوام مع عائلتها، وهي اليوم طالبة في كلية الطب، وقد نشرت "العربي الجديد" قصّتها. وقد لفتت اليوسف في رسالتها إلى أنّ التغيير الجذري في السياسة الدنماركية والسجال حول إعادة السوريين إلى بلادهم يجعلانها "غير قادرة على التفكير بالمستقبل ولا حتى بالفصل الدراسي الحالي".



في سياق متصل، يتحدّث عضو البرلمان الدنماركي عن حزب "اللائحة الموحدة" ومرشّحه إلى البرلمان الأوروبي، نيكولاي فلومسن، لـ"العربي الجديد"، عن "أهمية مواجهة تأثير التوجّه الشعبوي المتشدد بمشاركة السوريين الواعين إلى الظروف التي تطاولهم جميعاً، مثلما يفعل جيل الشباب، عبر شرح واقعهم هنا ومخاطر ترحيلهم إلى سورية". ويعد فلومسن بأن تنظر حكومة ما بعد الانتخابات العامة المقبلة (بعد أقل من ثلاثة أشهر) بالقوانين التي تمسّ إقامة طالبي اللجوء السوريين في الدنمارك. لكنّ القلق يبقى رفيق طالبي اللجوء السوريين في الدنمارك، على الرغم من تفاؤل البعض بإنصافهم من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عند النظر في بعض القضايا المرفوعة ضدّ الحكومة السورية خلال إبريل/ نيسان الجاري.
المساهمون