تملّك بيت في إيران حلم صعب المنال

21 سبتمبر 2018
ثنائي إيراني (عطا كيناري/ فرانس برس)
+ الخط -
ليس من اليسير شراء شقة، ولو صغيرة في إيران. ويزداد الأمر صعوبة لدى الشباب، خصوصاً في المدن الكبرى مثل طهران، نتيجة ارتفاع الأسعار. فإمّا أن يضطروا إلى الاستئجار أو العيش خارج المدن 

قبل أشهر، بدأ مسعود نبي زاده، الذي يستعدّ للزواج، البحث عن منزل يشتريه ليسكن فيه وشريكة حياته. مع الوقت، ألغى هذه الفكرة، وبات يحاول العثور على منزل مناسب للإيجار. يقول إن أسعار الشقق مرتفعة بالنسبة إلى شاب مثله، على الرغم من أنه يملك رأس مال وفّره من مستحقات مالية متوسطة كان يحصل عليها شهرياً من عمله، لكن التكاليف المعيشية وتكاليف حفل الزفاف نفسه وما يترتب عليه، كلها عوامل منعته من شراء الشقة الحلم.

يتابع نبي زاده لـ "العربي الجديد": "أسعار الشقق في كلّ مناطق طهران مرتفعة، وينسحب الأمر على بدلات الإيجار". لا يمكن له أن يسكن في أيّ مكان يحلو له، لافتاً إلى أن الرواتب الشهرية منخفضة بالمقارنة مع ما يترتب من مصاريف على كاهل كل إيراني يعيش في المدن الكبرى، خصوصاً في العاصمة طهران التي تعدّ غالية.

أما علي سهيلي، وهو شاب في أواخر عقده الثالث، فلجأ إلى الاقتراض من المصرف، واشترى منزلاً مساحته صغيرة في مبنى عادي، وصرف كل مدخراته ومدخرات زوجته، لتحقيق الحلم الصعب. لكن هذا لا يعني أن الأمور أصبحت أسهل، بل على العكس، إذ يتوجب على سهيلي تسديد القرض ضمن فترة محددة، وبفوائد ترتفع كثيراً كلما طالت مدة السداد. ويؤكد أن الحصول على القرض نفسه ليس أمراً يسيراً، وهناك شروط كثيرة وطلبات يجب تلبيتها، من قبيل تأمين أوراق ثبوتية ومستندات ليوافق المصرف على منح الشباب القرض المطلوب.
ويؤكد سهيلي أن أصدقاء في العمر نفسه غير قادرين على القيام بخطوة مماثلة، حتى وإن كان معهم رأس مال متوسط.

لهذا السبب، يفضّل كثيرون استئجار شقة والعيش فيها، علماً أن نظام الإيجار في طهران يحتاج إلى رهن يوضع في حساب المالك، ويجني منه هذا الأخير فوائد مصرفية تكون كبيرة في العادة. يضاف إليه بدل الإيجار، ويدوّن ذلك في العقد. ويضع من يملكون رأس مال قليلاً أو متوسطاً المبلغ كرهن ويستأجرون شقة ويدفعون بدل إيجار شهري، ويستردون الرهن ذاته بعد انتهاء عقد الإيجار.



كل ذلك يضع الشباب في إيران، لا سيما سكان طهران والمدن الكبيرة، أمام خيارات محدودة. إما الحصول على قرض، أو استئجار منزل، أو اللجوء إلى الجمعيات السكنية، وإن كانت أقساطها مرتفعة عادة، وتزيد عن دفعات القرض المصرفي. وكخيار أخير، يلجأ الشباب إلى شراء بيت صغير خارج المدينة. إما يسكنون فيه ويتحملون المسافات الطويلة للوصول إلى مركز المدينة، أو يؤجرونه ويسكنون بالإيجار في مناطق أفضل. ثمّ ينتظرون ارتفاع سعر العقار، ليستبدلوه بآخر لاحقاً، إذ إن تجارة العقارات مُربحة، خصوصاً للمتقاعدين.

ويؤكد ذلك وحيد دوستي، وهو صاحب مكتب عقاري. يقول إن الوضع في السوق تحسن قليلاً قبيل رأس السنة الإيرانية في 21 مارس/ آذار، لكنه عاد إلى الركود بعدها. ويذكر أن الأمر يرتبط بارتفاع سعر صرف الدولار في مقابل التومان الإيراني. ويوضح لـ "العربي الجديد" أن كثيرين يمرّون في مكتبه يومياً لتفقد الأسعار، مؤكداً أن اختلاف نسب الفوائد المصرفية يلعب دوراً كبيراً. وحين ترتفع، ينخفض معدل البيع والشراء في العقارات، ويفضل الإيرانيون من أصحاب رؤوس الأموال الحصول على فوائد على مدخراتهم في المصارف. وحين تنخفض الفائدة يشترون العقارات، لكن هذا لا ينطبق على الشباب إلا ما ندر.

ويقول دوستي إنه نادراً ما يكون لديه زبائن من الشباب يبحثون عن عقارات للبيع. وإن حصل ذلك، فإنهم يطلبون بيوتاً صغيرة لأنهم غير قادرين على تأمين أسعارها. ويؤكد أن نسبة ملحوظة من الشباب تفضل خيار الحصول على قرض مصرفي لشراء منزل، ولا يكون غالباً المنزل الحلم.

في إبريل/ نيسان الماضي، ذكرت مواقع كثيرة أنّ سوق العقارات في إيران في حالة ركود، على الرغم من كونه مربحاً، فالبيع والشراء معلق. ويؤكد بعضها ارتفاع أسعار الشقق السكنية في بعض مناطق طهران بنسبة تجاوزت الخمسين في المائة، ما يزيد من مشاكل الشباب الباحثين عن منزل، ويؤثر أيضاً على قيمة الإيجارات التي ترتفع كثيراً بوجود هذا العامل.

في وقت سابق، أعلنت وزارة الطرقات وتخطيط المدن عن تخفيض نسبة فوائد القروض السكنية بمعدل 2 في المائة. وكان من المفترض أن يزيد هذا من نسبة المقبلين على القروض، لكنه أدى إلى ارتفاع أسعار العقارات من قبل مالكيها، ما يجعل ذلك من دون فائدة. ووفقاً لوكالة "مهر"، فإن مناطق جنوب طهران، وهي الأرخص في العاصمة، يصل سعر المتر الواحد وسطياً فيها إلى 2.6 مليون. أما في المناطق الواقعة شمالاً وغرباً، فالأسعار حدّث ولا حرج. وفي بعض العقارات، تتجاوز الخيال. وفي المنطقة الأغلى الواقعة شمالاً، يبلغ متوسط المتر الواحد 11.7 مليوناً.



وبحسب تقرير خاص نشره موقع نادي الصحافيين الشباب، فإن بعض المناطق التي تقع شرق العاصمة، زادت أسعار العقارات فيها مؤخراً بنسبة وصلت إلى 50 في المائة، ما أثر على قيمة البيع والإيجار على حد سواء. ويذكر التقرير ذاته أن المشكلة لا ترتبط بأسباب اقتصادية فحسب، من قبيل انخفاض أسعار صرف العملة المحلية أمام الدولار، ما يرفع تكاليف البناء، لكنّها ترتبط بعوامل ثانية من قبيل عدم وجود رقابة على سوق بيع وشراء العقارات، فالأسعار ترتفع فجأة وتنخفض أحياناً من دون سابق إنذار، لكنه لا يكون انخفاضاً مغرياً في العادة، بل إن مشكلة الشباب في البحث عن البيت الحلم لا علاقة لها على الإطلاق بعدم وجود منازل مناسبة، وإنما ترتبط بالتكاليف التي تترتب على الزوجين.

في طهران وحدها، يوجد ما يزيد عن نصف مليون وحدة سكنية خالية، وهو ما أكده عضو لجنة العمران في البرلمان مجيد كيان بور في وقت سابق. ويقول إن هذا الرقم لا يجب تجاهله، ويجب حل المشكلة طالما أن كثيرين يحلمون ويحتاجون إلى شراء عقارات.