تقنين الحشيش في فرنسا ينتظر

07 يوليو 2019
لم يغب الحشيش عن تظاهرات السترات الصفراء (آلن بيتون/Getty)
+ الخط -
مرة بعد مرة يُطرح سؤال الحشيش (القنب الهندي) وقضية تقنينه في فرنسا أسوة ببلدان أوروبية وغريبة كهولندا وسويسرا وكندا وغيرها. لكن، سرعان ما ينتصر الرأي المعارض مدعوماً باليمين الفرنسي، على الرغم من أنّ مواطنين كثيرين ينتمون إلى شرائح اجتماعية مختلفة تعاطوا الحشيش وإن لمرة على الأقل.

من يطالبون بتقنين الحشيش يفعلون ذلك من باب الحرص على الحدّ من الجريمة المرتبطة بتجارته وتسويقه، في الأحياء الشعبية والضواحي، أي وضع حدّ لهذا الاقتصاد الموازي، الذي يستنزف الدولة، ويظهرها بمظهر العاجزة عن توفير الأمن لمواطنيها. وفي جديد المطالبات بالتقنين بيان نشرته 70 شخصية، مدعومة بباحثين ومحللين اقتصاديين.




وبينما لم تحذُ مختلف الحكومات الفرنسية، من اليمين واليسار، حذو الهولنديين والكنديين، فإنّ "مجلس التحليل الاقتصادي" وهو مجموعة من الاقتصاديين المرتبطين برئاسة الحكومة، نشر بياناً يقترح "سيطرة عمومية على إنتاج وتوزيع الحشيش" من خلال "منتجين معتمدين ومراكز بيع متخصصة". قدّم المجلس أربع حجج داعمة للتقنين، هي أولاً أنّ السياسة المفرطة في المعالجة القمعية ليست ذات فعالية، بالرغم من زيادة عدد الموقوفين بتهمة الاستهلاك خمسين مرة منذ سنة 1970. ثانياً، أنّ سياسة مكافحة الحشيش تكلّف الدولة غالياً، ولا تستفيد الخزينة إلّا بالشيء القليل، ففي سنة واحدة، أنفقت الحكومة 568 مليون يورو، لمكافحة الحشيش، 70 في المائة منها لأعمال قوى الأمن، و20 في المائة للمصالح القضائية والسجنية، ولم يتبقَّ سوى 10 في المائة لتمويل الوقاية والعلاج والبحث. ثالثاً، أنّ تقنينه سيعود على الدولة بما بين 2 و3 مليارات يورو، بالإضافة إلى خلق ما بين 27 ألفاً و500 و80 ألف وظيفة. رابعاً، أنّ التقنين سيترافق مع مراقبة متزايدة من قبل الدولة، مصحوبة بحظر بيع الحشيش للقاصرين. وليس معروفاً بعد موقف الحكومة، التي سارع بعض وزرائها إلى التأكيد على أنّ التقنين لن يرى النور، على المدى القريب، إذ تحاول معرفة نتائج تقنينه في العديد من الدول، قبل التفكير في اتخاذ موقف مشابه.

إذا كانت بعض الإحصاءات عن معدلات الجريمة في بعض الولايات الأميركية التي سمحت بتسويق الحشيش تفتح الباب لبعض الأمل، بعد انخفاضها بنسبة 13 في المائة، وأحياناً بنسبة 15 في المائة، فإنّ القلق يترافق مع الأسعار التي تحددها الدولة والتي يجدها بعض المستهلِكين مرتفعة، وهو ما يشجعهم على البحث عن باعة سريين، أي عصابات، وهنا تعود السوق السوداء، بكلّ ما تتضمنه من عنف.

ينظر أنصار التقنين إلى تاريخ طويل من القمع لم يُجدِ نفعاً، بل على العكس جعل مناطق كثيرة من الجمهورية تفلت من القانون. وهم يرون أنّ سيطرة الدولة على الملف، ستقطع الطريق على مختلف أنواع تجارته، التي غالباً ما تكون مصحوبة بعنف كبير، كما أنّ إدارة الدولة لهذه التجارة ستكون مفيدة على مستوى الصحة العامة، إذ سيعرف المستهلك طبيعة ما يستهلكه. وتجدر الإشارة إلى أنّ آخر استطلاع للرأي أجراه المرصد الفرنسي للمخدرات والإدمان، أظهر تأييد 46 في المائة من الفرنسيين تقنين تجارة الحشيش، بل أيّد أكثر من 90 في المائة من الفرنسيين السماح باستخدام الحشيش لأغراض علاجية لبعض الأمراض.




لكن، متى ستصل فرنسا إلى تقنين تجارة الحشيش؟ ليس الآن، فلدى الحكومة استحقاقات انتخابية كثيرة، وهي تراعي رأياً عاماً رافضاً في أغلبيته، لكنّها لا تقفل الباب. وهذا ما ستتصدى له مجموعة من نواب البرلمان، باقتراح من الأغلبية الرئاسية، قريباً، بغرض أن يكون تقنين الحشيش مُقتَرَحاً في الحملة الرئاسية لسنة 2022، وهو ما يعني أنّ القانون لن يرى النور في ولاية ماكرون الحالية. وسوف تستغرق مهمة هؤلاء النواب سنةً كاملة يدرسون فيها الأمر من مختلف جوانبه، خصوصاً ما يتعلق بصحة المستهلك والدور العلاجي للحشيش، والدور الذي سيجرى تخصيصه للتجار الصغار في الضواحي. وربّما سيكون هذا الأمر ضمن مقترحات مختلف المرشحين المحتملين لرئاسيات 2022، باستثناء حزب مارين لوبان، الذي بادر كثير من قيادييه، ومنهم جوردان بارديلا، إلى اعتبار التقنين "توجيهاً لإشارة مأساوية".

واحد من عشرة
تؤكد وكالة الصحّة العامّة الفرنسية، في دراسة أنجزها المَرصد الفرنسي للمخدرات والإدمان، عام 2017 أنّ بالغاً واحداً من كل عشرة يعترف بأنه دخّن الحشيش في تلك السنة. ويتبين في الدراسة أنّ شريحة "18- 25 سنة" هي الأكثر استهلاكاً للحشيش، لكنّ كلّ الشرائح العمرية معنية بالأمر. وضمت فرنسا 5 ملايين مستهلك للحشيش، خلال سنة 2017، من بينهم 700 ألف شخص، من المتعاطين اليوميين.
دلالات