كم بقي لنا حتى نفنى تماماً؟ ثمّة مقولة منسيّة لألبرت أينشتاين مفادها أنّه لو اختفى النحل من الأرض، تبقى لدى البشر أربعة أعوام فقط قبل أن ينقرضوا.
لا أدري لماذا كلّما ذُكر أينشتاين، يأتي جدّي على خاطري. فقد كان عالماً بيئياً من دون أن يرتاد قاعات الجامعات والفصول المدرسية. حكمته كانت تؤكّد أنّ الفطرة ظلت تحرس أسلافنا، وهم يكنّون كلّ الاحترام لجنود الطبيعة الحارسة لحياتهم، من بينها الحشرات، بما في ذلك النحل. وجدّي كان حريصاً على ألا نلمس بيوت النحل الطينية الدقيقة المتشبثة بسقوف بيوتنا الريفية، كما كان يحرّم علينا الاقتراب من الأشجار التي تتدلى منها خلايا النحل، لا خوفاً علينا فحسب، بل ليقينه الراسخ بأنّ لهذا النحل دوره الكبير في حياتنا.
وقد أتت أحدث الدراسات لتثبت أنّ 70 في المائة من المنتجات الزراعية تعتمد في نموّها بشكل أو بآخر على النحل، لذا نجده في كلّ بيئات العالم بلا استثناء. وإن كان وجوده الأكثر كثافة في الغابات والجبال، إلا أنّه يشاركنا سكن المدن. ومثلما أثبتت دراسات أنّ ملايين الحيوانات سوف تتضوّر جوعاً إذا لم يقم النحل بدوره في توفير الغذاء، جاءت نتائج البحث الأخير الذي أعدّته الجمعية الفلكية الجغرافية مخيفة، فقد أعلنت أنّ النحل بدأ ينقرض بالفعل من العالم، ليبقى فقط في بعض المناطق بنسبة لا تتعدى 10 في المائة بالمقارنة مع ما كانت عليه الحال قبل التغيّرات البيئية بفعل الإنسان، من قبيل قطع الغابات وإشعال الحرائق وانتشار الأسمدة والمبيدات وتلوّث الجوّ بالأبخرة الكيميائية والغازات السامة. كذلك ثبت أنّ الموجات الكهرومغناطيسية التي تصدر عن الهواتف المحمولة تعمل على تشتيت تجمّعات النحل وتشوّش على عمله الغريزي.
والنحل منحنا أربعة منتجات هي العسل والشمع والصمغ واللقاح، أمّا نحن فمنحناه عدم الأمان. وأنشأنا بيوتاً لا تستقبله، فالبيوت الإسمنتية انتشرت حتى فى الأرياف، واختفت السقوف الخشبية الحاضنة لبيوته. وعلى مستوى الموائل الأخرى، فقد تدخّلنا بشكل سافر، إذ إنّنا هجمنا على الغابات نقطعها لتوفير الخشب، من دون أن نزرع أشجاراً بديلة كما تقتضي الحال وكما تنصّ القوانين غير المفعّلة والمنتهَكة في أحيان كثيرة من قبل واضعيها الذين يُفترض بهم حراستها. كذلك دخلنا إلى الكهوف وفجّرنا صخر الجبال في رحلة كشفنا عن المعادن. وأغرقناه (النحل) في المواد الكيميائية ونحن ننزل عليه الرشاش الذي نستهدف به الحشرات الضارة بالزرع، متجاهلين أنّ النحل يبحث عن غذائه الذي يتكوّن من "كلّ الثمرات"، كما يحدّثنا خالقه، بخلاف باقي الحشرات التي تأكل كلّ منها نوعاً محدداً. ونسأل: حتى متى سوف نظلّ في بحثنا عن تطوّر حياتنا نهدم عناصر وجودها؟
*متخصص في شؤون البيئة