أوراق الحظّ

04 ابريل 2019
من يشتري الحظ؟ (Getty)
+ الخط -

ربّما يبتسم لكِ الحظّ هذه المرّة... قالَ الرجل الذي أراد التخلّص من ورقة الملايين الأخيرة التي كان يحملها بين يديه. إصراري على كوني غير محظوظة لم يغيّر شيئاً بالنسبة إليه. هو مصرّ على البيع وأنا مصرّة على "اللا حظّ". وفي النتيجة، لم أشترِ ورقة الحظّ ولم يربح أحد الملايين.

الرجل نفسه سيرتدي ثيابه نفسها لبيع الأوراق في يوم آخر، ويتمنى الربح لجميع الذين سيشترون منه، أو الذين سيقفون أمام رزمة الأوراق هذه بعض الشيء، ثمّ ينسحبون إلى الواقع. أمامه، كانوا قد تغيّبوا عن العالم الحقيقي لحظات، وتخيلوا أنهم قد ينعمون بالراحة.
اللّافت أنّ الراغب في الفوز في الملايين لم يعد يبحث عن غنىً، بل عن راحةٍ، أو لنقل "خير الأمور". والملايين قد تكون مجرّد "وسيط"، إذ لا ترتبط بعدد الأصفار بل القدرة على الحدّ من تلك الأصوات المتسارعة في الدماغ، والكوابيس التي تفضّل الليل.

أولئك الذين يواظبون على شراء هذه الأوراق يريدون تحقيق هدفٍ بسيط... ماذا لو كان في إمكانهم الاستغناء عن كل شيء في حياتهم دفعة واحدة؟ ذلك التغيير الكبير الذي قد يعيد إلى القلوب بعض النبض. فنحن في الغالب نعيش بغير قلوب نابضة. وعلى الأرجح، يكذب علينا الأطباء حين يدّعون سماع دقات قلوبنا.

لا.. قلوبنا لا تنبض، بل تؤدّي حركة آلية مملّة، درج الأطباء على تسميتها بالنبض لخلق معاني للحياة. وحين نكتشف كذبتهم هذه، يكون قد فات الأوان. وحين تصبح الأوراق النقدية بين أيدينا، أو داخل البطاقة العجيبة التي باتت تختزلنا كطبقات اجتماعية، قد تتدفّق الدماء مجدداً في أجسادنا، خالقة نبضاً حقيقياً. وإذا ما ذهبنا إلى الأطباء أنفسهم مرة أخرى، سيلاحظون الفرق، وقد يحدث هذا ثورة علمية.



الراحةُ تعني تغييراً أو تمرّداً على واقعٍ وروتين يجعلاننا مجرّد آليات متحرّكة وناطقة تروح وتجيء وتنجز المهام قبل أن تُدفن فوق أسرّة بيضاء. ونسمع كثيراً من أطباء وباحثين عن فوائد النوم.. لكنّنا في الحقيقة، نهرب من أجسادنا ومن ذلك الثقل الذي نحمله بسببها في النهار. وفي الليل، نلقي بأيادٍ وأرجل على فراش نظيف، علّها تتحرّر من ثقلٍ أو ما يسميه البشر
بـ "الضغوط".

في الليل... حين يصمت البشر ويهدأ صراخهم، حين يكبت النوم أحقادهم الكثيرة ورغباتهم في الانتقام، يبقى لهم حزن موجود في أحد أجزاء قلوبهم التي توصف بالنابضة. حزن يظهر على شكل كوابيس وربّما صراخ سرعان ما يخنقه الليل.

لكن أوراق الحظّ في كلّ مكان تبحث عن أيادٍ جديدة تلتقطها. هي الوهم الذي يرسم أحلاماً في نهاراتنا قبل موعد الكوابيس.

دلالات
المساهمون