الأيزيديات... الموت الأسود [2/6]: جحيم رحلة السبي

29 أكتوبر 2015
أجبر أبناء الأيزيديات على الالتحاق بالتنظيم (إمرا يورلماز/ الأناضول)
+ الخط -


لم يكن الكثير من الأيزيديات يعرفن أسماء العديد من المدن والبلدات السورية، قبل أن تنقلهن عصابات "داعش" إليها، سواء كمجاميع، ليتم بيعهن لاحقاً أو منحهن كهدايا لقادة التنظيم، وخصوصاً العرب والأجانب، فالدلائل التي أشارت إليها الناجيات أن الأوضاع التي كن عليها في تلك المدن كانت من الصعوبة أن توصف، كنّ، في الوقت نفسه، يصفن معاناتهن في تلك المدن بكثير من الأسى.

فمع استمرار مسلسل التعامل مع خطف النساء الأيزيديات، بدأت مرحلة أخرى في نقل المئات من الفتيات، خصوصاً الى مدينة الرقة والشدادي وتل حميس وسد تشرين ومدينة الباب وحلب، وأخريات نجون من مدينة سد تشرين وإعزاز، وبعضهن الآخر لا يزلن في بؤر ومباني تقع تحت سيطرة داعش في سورية.

وفقاً للشهادات التي تم جمعها من الناجيات، أصبحت غالبية الفتيات اللواتي نُقلن الى هناك جواريَّ وسبايا قادة داعش الأجانب مـن جنسيات (عربية وشيشانية، أسترالية، بريطانية فرنسية)، وجنسيات أخرى.
ففي هذه الخطوة أقدم داعش على تنفيذ مرحلة جديدة في التعامل مع النساء المخطوفات ضمن خطته لتشتيت النساء والفتيات، حيث تم تبديل مواقعهن في تلعفر وبعاج وربيعة والمواقع الموجودة في الموصل، فكانت خطة عدم استقرارهن في منطقة واحدة أمراً متفقاً عليه مفروغاً منه، منذ البداية منذ الثالث من أغسطس/ آب 2014.

خلال متابعتنا المستمرة، في شهر أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2014، لاحظنا تغيير مواقع المجموعات لأكثر من ثلاث مرات، وخصوصاً في تلعفر، البعاج، القيارة، وداخل الموصل، حيث كان يتم نقلهن من منطقة إلى أخرى ليس كلهن، حتى يتم إشغالهن بالاندماج والانصياع لأوامر رجالات داعش، ولكي يكون أمر استسلامهن لمطالب عصابات التنظيم سهلاً .

تقول سيدة كانت والدة لثلاثة أطفال، نجت من مدينة سد تشرين السورية: "إن رجال التنظيم كانوا يتفننون في الإساءة إلى الفتيات الأيزيديات ويتفننون في كيفية جعلهن ينصعن لأوامرهم بشتى الطرق بغية استغلالهن، والاعتداء عليهم كيفما يشاؤون". أضافت السيدة التي كانت تجلس في صالة انتظار المركز الصحي بعد نجاتها بأيام، وهي تحاول تهدئة أطفالها "الوضع في سورية بالنسبة لنا كان سيئاً جداً، رجالات داعش لم يكونوا يرأفون بحالنا، واللواتي كن يرفضن هذه المعاملة كن يتلقين تعذيباً وحشياً أو سجناً انفرادياً أو يتعرضن للاعتداء من أكثر من شخص دفعة واحدة".

اقرأ أيضا:الأيزيديات... الموت الأسود [1/6]: خطف نساء سنجار

أتمت المرأة حديثها وهي تذرف دموعاً هادئة انسابت على خديها اللذين كانا لا يزالان يحملان آثار مرض جلدي أصيبت به هناك مع أطفالها: "صدقني لا يمكن أن أصف لك الحال التي كنا عليها، رأيت عشرات المرات، كيف كان رجال ملتحون وبملابس إسلامية ينتقون الفتيات صغيرات السن، وكيف كانوا يتبادلونهن فيما بينهم، وكانت ابنتي ذات الست عشرة سنة واحدة منهن، وعندما كنا نعترض كان الأمر سهلاً لديهم، هو أن يمنحونا لأقل درجة منهم أو يقولوا لنا – لا أحد لكن هنا، فما عليكن سوى تنفيذ ما نطلبه منكن".


بحسب السيدة والعديد من الناجيات فإن داعش كان يحتجز النساء في مواقع عدة (قصور ومباني فيها أعداد مختلفة لكل موقع بين 50 – 300 فتاة وامرأة مع أطفال صغار)، وخصوصاً في مدينة الرقة.

وتابعت السيدة في شرحها أوضاع النساء الأيزيديات السبايا "شاهدت كيف كانوا يبيعون الفتاة بسعر 50 دولاراً الى مائة دولار لقاء أسبوع تقضيه في بيوت يستخدمها فيه قادة داعش، والمهم أنهم لم يكونوا يعطون المال للفتيات، بل يأخذونهن مسؤولوهن– من كانت بمعيته رسمياً، وكيف كان أكثر من رجل وحش وقذر يعتدون على فتاة واحدة في وقت واحد، ورأيت كيف أن هؤلاء المجرمين يستخدمون النساء والأطفال في أعمال شاقة، كنت أنا وعائلتي منهم، حيث قضيت ستة أشهر أعمل في حقل زراعي وفي كل ليلة كنت أشعر بحزن وخوف كبير، انتظر أي وقت يأتون لأخذ أطفالي، إلى أن حلت واحدة من تلك الليالي الشتوية الماطرة، حيث شاهدت وقوف سيارة كبيرة أمام باب المزرعة وطلبوا مباشرة أن أمنحهم ابني ذي تسع سنوات، لكي يذهب الى أحد مراكز التدريب على السلاح و تعليم القرآن.. بكيت ليلتها كثيراً، لم يكن لديّ أحد أشكوه همومي.

وتابعت السيدة: انتظرت 45 يوماً لأرى ابنى أمام الباب، بكيت من شدة فرحتي وحزنت، وعندما تمعنت في وجهه رأيت في عينيه الألم الذي يعانيه في تلك الفترة وتمعنت في الملابس التي يرتديها وذهلت من الخوف، ملابس مرقطة عسكرية، وربطة على جبينه مكتوب عليها الله أكبر.

تقول السيدة: "أوضاع النساء والفتيات الأيزيديات في سورية كانت شيئاً يصعب وصفه في كلمات قليلة، وكلكم تتذكرون قصة زهور التي أحرقها رجل سعودي"، إذ قام الرجل الذي اشتراها كجارية وهو سعودي بوضع البنزين في مدفأة المنزل وخرج حتى عندما تقوم زهور بإشعال المدفأة تحترق، وكان الرجل قد رش المنزل جميعه بالبنزين – زهور فارقت الحياة في أحد مستشفيات تركيا على الرغم من الجهود التي بذلها د. ميرزا دنايى، لنقلها الى ألمانيا للعلاج إلا أنها فارقت الحياة"، وذلك نقلاً عن صفحة د. ميرزا دنايى".

تابعت السيدة: كانت الأجواء هناك صعبة، فمنذ أول يوم نقلنا الى هناك شعرنا أننا انقطعنا عن العالم، أصبحنا تحت رحمة رجال لا يعرفون الرحمة، يرتكبون أكبر الحماقات في حق الفتيات صغيرات السن، شعرت بألم كبير بعدما كنت في صبيحة أحد الأيام ذاهبة إلى مركز صحي لأرى فتاة في الـ 14 من العمر مع رجل سعودي، وقد تعرضت الى نزيف وكانت ترتجف ولا تعرف ماذا سيحل بها، اقتربت منها قليلاً وحاولت تهدئتها، لكن لم استطع أن أبقى معها طويلاً، كانت الكلمات تخرج بصعوبة من فمها، وعندما أردت أن أستفهم منها الأمر أكثر، لم تشأ سوى القول: ما يهمني هي أمي لأنني لم أسمع صوتها منذ شهرين، وتقطعت الكلمات في حلقها وبدأت تبكي بصوت عالٍ.

وعندما أحس بها الرجل (كان قصير القامة ويرتدي ملابس عربية وعلى رأسه شماغ أسود، ويحمل أسلحة عدة ومنظاراً ومسدساً صغيراً) جاء وأدخلها الى غرفة بسرعة، أردت انتظارها لأعرف ما إذا كانت بحاجة الى مساعدة ما؟ لكن الرجل الذي أخذني إلى هناك قال "لسنا بحاجة إلى المشاكل هيا عودي إلى عائلتك".

اقرأ أيضا:"داعش" يبيع نساء أيزيديات لعناصره في سورية

في المدن والبلدات السورية تعرضت غالبية النساء والفتيات الأيزيديات إلى عمليات غسيل الدماغ، والأطفال غالبيتهم، حتى صغار السن، وكانوا يقولون لهم: لم يبق لديكم أحد– قتل الجميع– الجميع دخلوا الدين الإسلامي– لم يعد هناك أحد لكم في كردستان أو العراق.

كان هذا ضمن خطة غسيل الدماغ، حتى يهيئوا إشراك أطفالهم في تدريبات على السلاح والقتل و تعليم القرآن ومشاهدة أفلام عن كيفية صنع المتفجرات. والفتيات والنساء يصبحن في أجواء سيئة نتيجة التعامل الذي كان يبدر من رجالات داعش هناك، وكانت غالبيتهن من جنسيات عربية مختلفة، لأن غالبيتهن كن سبايا وجواريّ مقاتلين عرب وأجانب، وتعرضن الى التعذيب، وشتى صنوف الإساءة عندما كن يعترضن على أوامر القادة ويرفضن تلبية طلباتهم، وإذا كانت أحيانا هناك فرصة لكي يشعر بعضهن ببعض الراحة، فقد كان هذا الأمر يتوقف على الشخص الذي يقوم برعاية السبايا أو الجواري، وذلك عندما يذهب للقتال ولا يعود لأيام.


أوضحت سيدة كانت تستخدم كجارية في منزل أحد القادة الأجانب في مدينة الرقة السورية، أن "الأمر الصعب هو عدم فهمنا كلامهم في كثير من الأحيان، وكذلك المعاملة السيئة، كنت لدى الرجل أقوم بكل الأعمال المنزلية، كانت لديه زوجة قد قدمت من أوروبا، تونسية الأصل، بقيت فترة ثم اختفت في أحد الأيام، ولم تعد ثانية للمنزل، والوقت الأسوأ بالنسبة لي كان عندما يغيب الرجل من المنزل لأننا كنا نتعرض الى معاملة قاسية من تلك المرأة، بقيت أربعة أسابيع هناك، كانت بمثابة الجحيم، لأكثر من مرة تعرضت الى الضرب على يدها، والإساءات والإهانات كان شيئا عادياً.

في أحد الأيام جاء الرجل، وقال، إنه باعني إلى شخص سوري كبير السن في الخمسين من العمر، لم أصدق أنني تحررت من هذه العائلة، فعلى الرغم من أن شكل الرجل السوري، كان يبدو أنه مجرم وقاتل، إلا أنني في تلك اللحظة شعرت بفرح كبير، على الأقل شعرت بأنني تخلصت من عائلة قاتلة".

بعض ممارسات داعش ضد النساء الأيزيديات في سورية تخص تزويجهن بالقوة وإهداءهن إلى مقاتلي داعش، وفيما بينهم رغماً عنهن وعنوة ومن ثم نقلهن بين فترة وأخرى من منطقة الى أخرى وتغيير مواقعهن أيضاً، وكثيراً ما كانوا يجرون مراسيم زواج شكلية لبعض الرجال، وهو ما حدث لفتاة تبلغ 23 عاماً، تم نقلها خصيصاً من تلعفر الى شخص سعودي، اسمه أبو عبدالله إذ أجري له حفل، وحضره كثير من الدواعش، بحسب شهادة تلك السيدة التي قالت، إنها سمعت الأمر من فتاة أيزيدية كانت، قد التقتها في أحد الأيام في ذلك المنزل الذي اتخذ مقراً لجمع الأيزيديات فيه في منطقة تسمى (س – ع) وسط الرقة.

اقرأ أيضا:أوقفوا بيع بناتنا!
دلالات
المساهمون