حدائق إيران.. تاريخ ودين وجماليّة

10 نوفمبر 2015
يقصد الإيرانيون الحدائق بشكل شبه يومي للاستجمام (فرانس برس)
+ الخط -

في إيران، يسجَّل اهتمام كبير بالحدائق والمساحات الخضراء. ولكل مناسبة أو عيد خاص بالإيرانيين، طقسه المرتبط بالطبيعة وبالأشجار. وإن دلّ هذا على شيء، فإنه يدلّ على أن حبهم للمساحات الخضراء يعود إلى أزمنة غابرة، بحسب ما تنقل الكتب والوثائق وحتى الأساطير.
تنتشر الحدائق في كل أنحاء البلاد، لا سيّما في المدن التي ما زالت بلدياتها تولي اهتماماً خاصاً لإقامة الحدائق التي تحافظ في معظمها على طراز خاص. وتغلب الطبيعة الجبلية في معظم المناطق، فيما تعاني البلاد - باستثناء مناطق في شمال البلاد - من الجفاف النسبي. ونشاهد الحدائق والبساتين في كل مكان، وسط استغراب البعض على خلفيّة قلة المياه. لكن زراعة الأشجار ومنذ القدم، كانت وسيلة لتلطيف المناخ وتحسينه. وهو ما جعل الإيرانيين يعتادون تدريجياً على الحدائق.

وسرّ تعلق الإيرانيين بالحدائق، يمكن التعرّف إليه بشكل أعمق عبر إلقاء نظرة على المنمنمات الإيرانية المرسومة ومن الممكن استنتاجه من الكتب والوثائق التاريخية. لكل عيد إيراني طقوسه ومظاهره، والماء والأشجار جزء منها بشكل دائم. والزراعة كانت جزءاً من العبادة في إيران القديمة، وكوروش الكبير أبرز ملوك الأخمينيين حثّ الإيرانيين على الزراعة. وبدأ في ذاك الوقت، أي قبل ألفين و500 عام تقريباً بإقامة الحدائق الإيرانية التي تعرف اليوم بالحدائق الفارسية؛ والتي ما زال أثرها باقياً في البلاد.

انتشرت الحدائق شيئاً فشيئاً، وتميّزت خصوصاً تلك الملحقة بالقصور الملكية. ولعلّ أبرز ما كان يميّزها هو وجود نظام ريّ عبر قنوات خاصة تسقي الأشجار في تلك الحدائق تلقائياً. إلى ذلك، تقسم الحدائق الإيرانية القديمة إلى أربعة أقسام ترمز إلى عناصر الطبيعة في الديانة الزردشتية، أي السماء والأرض والماء والنبات. واليوم، ما زال عدد كبير من الحدائق محافظاً على ذلك.
وتأتي الحدائق الإيرانية بأشكال هندسية محددة، إما مربعة أو مستطيلة وتمتد على أرض مستوية وترتبط أجزاؤها بزوايا قائمة غالباً. هذا الفن وإن برز في عهد الأخمينيين، إلا أنه تطوّر في عهد الساسانيين الذين حكموا البلاد لاحقاً. وعلى الرغم من دخول الإسلام إلى إيران، إلا أن الحدائق بقيت متأثرة بالزردشتية التي كان يعتنقها معظم الإيرانيين.
في وقت لاحق، تطوّرت الحدائق لتُبنى داخلها في عهد التيموريين، ما يشبه الأكواخ والخيم والمظلات التي تسمح للراغبين بالجلوس في داخلها والتمتّع بالمناظر المياه والأشجار. ما زالت الأكواخ تشيّد في الحدائق اليوم، وتجذب عدداً كبيراً من الإيرانيين.

في عام 2011، سعى الإيرانيون إلى إدراج بعض حدائقهم التاريخية على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، في محاولة منهم لحفظ تاريخهم من جهة ولتشجيع الجيل الشاب للحفاظ على هذه الثقافة. وبالفعل نجح الإيرانيون في تسجيل تسع حدائق تاريخية قديمة ومعروفة في هذه القائمة، ويسعون إلى المزيد.
بالنسبة إلى المهندس المعماري شهريار سيروس، فإن "الحدائق في إيران موروث تاريخي يجب الاهتمام به بشكل دائم، والعمل على تسجيل مزيد من الحدائق التي تعد جزءاً من التراث". يضيف لـ "العربي الجديد" أن "الحب الحدائق في إيران بعداً تاريخياً ودينياً وحضارياً وفلسفياً في الوقت ذاته. حتى وإن ارتبط ذلك الفن بملوك قدامى، إلا أن زراعة الأشجار ترتبط أيضاً بعدد كبير من الأساطير الإيرانية. وهو ما يجعل الحدائق ذات روح إيرانية خاصة تمثل الارتباط ما بين حب الطبيعة والتاريخ".

أما المؤرخون، فيشيرون إلى أن مراقبة الأشجار وحمايتها في بلاد فارس القديمة، كانت من مهام رجال الدين والمسؤولين في الحكومة. وكانت الأشجار تشبَّه بالملائكة آنذاك. وكانت الأسطورة تقول إن كل من يزرع شجرة، يزيد الله عليه النعم والبركات ويمنّ عليه وعلى عائلته بالسلامة. كذلك كانوا يعتنون خصوصاً بأشجار الرمان والنخيل والحور. وهذا النوع الأخير ما زال منتشراً وبشكل كبير في حدائق إيران وبساتينها حتى اليوم. وعند العودة إلى الكتب المقدّسة القديمة، نقرأ أنها أشجار تلقى عناية إلهية، لذا يتوجب على الناس العناية بها بشكل خاص.
تجدر الإشارة إلى أن الإيرانيين يقصدون بمعظمهم الحدائق بشكل شبه يومي للاستجمام. وفي أعيادهم أيضاً، تحتل الطبيعة جزءاً كبيراً من الطقوس. ويُلحظ هذا في عيد النوروز خصوصاً أو عيد رأس السنة الشمسية الذي يتوافق فلكياً والانقلاب الربيعي.

اقرأ أيضاً: "البيت الخشبي" حلم يتحقق
دلالات