أم أحمد تؤرّخ القضيّة منذ عام 1986

25 أكتوبر 2015
ينقطع قلمي عندما تنقطع أنفاسي (محمد الحجار)
+ الخط -

منذ 29 عاماً تكتب مذكراتها ومذكرات أسرتها ووطنها. تدوّن كل الأحداث التي عايشتها بأدق تفاصيلها، وتزيّنها بمشاعرها، ومدى تضررها كسيدة فلسطينية في وطن محتل غارق في المشاكل. أصبحت مذكراتها اليوم ثروة عائلتها، والمرجع لتاريخها. تستمر صاحبة الواحد والخمسين عاماً في الكتابة، وشعارها: "ينقطع قلمي عندما تنقطع أنفاسي".

هي سميرة نمر اللوح، أو أم أحمد شلدان، ولدت عام 1964 في مدينة غزة. في بداية حياتها عاشت ظروفاً قاسية، فقد تنقلت في عدة بيوت مستأجرة مع أسرتها، حتى أنّها سكنت في منزل طيني الجدران وسقف من الجريد، وتربّت في هذا المنزل حتى تزوجت في السادسة عشرة، عام 1980. لكن لم يستمر الزواج كثيراً، فقد مات زوجها، وتزوجت ثانية بعدها بعامين من أبو أحمد شلدان.

لم تكمل سميرة تعليمها كما طمحت، وتوقفت بعد الصف الأول الثانوي، وعاشت معاناة خلال زواجها الأول. فأصرّت بعد زواجها الثاني على تدوين كل ذكرياتها الماضية وأحداثها الحاضرة.

تقول لـ"العربي الجديد": "الدافع الأساسي قسوة الدنيا، بدأت الكتابة عام 1986، وجمعت في الجزء الأول من مذكراتي أحداث طفولتي وكلّ ما أتذكره من السنوات السابقة".

افتتحت سميرة الجزء الأول بعبارة "بنت صغيرة تحمل العصفور في يديها". اختارت دفتراً كبيراً عليه صورة طفلة للتدوين. ولاحقاً بدأت بتصنيف الأجزاء وفق الاختلافات في الأحداث والمشاعر. فقد بلغ عدد أجزاء مذكراتها حتى اليوم 22 جزءاً.

الجزء الأول من المذكرات، كان له طابع خاص، فقد ذكرت فيه شجر العنب والجميز، ولعبها مع إخوتها الأربعة.

وفي الصورة العامة، تركز في مذكراتها على معاناتها كامرأة، وتشرح هموم الحياة في غزة وصعوبة التأقلم مع وضع الاحتلال، ومشاكل الأسرة. وعلى الرغم من أنها قرّرت مرتين التوقف عن كتابة المذكرات عامي 2004 و2014 بسبب ضغوط نفسية سبّبها الاحتلال وغيره من الهموم، إلا أن بناتها الخمس وزوجها وابنها الوحيد أحمد دفعوها للاستمرار في الكتابة وعدم التوقف مطلقاً. فالبنات خصوصاً يعتمدن على هذه المذكرات كمرجعية تاريخية لهم، وعندما يتحدثن عن أي تاريخ يطلعن على جزء من مذكرات والدتهن.

شكّلت الانتفاضة الأولى عام 1987 نقطة تحدّ للغزيين. فيها كتبت سميرة عن مدفعية الاحتلال التي صوّبت باتجاه الناس، وعن توحّد الفلسطينيين على هدف إزاحة المحتل من أحيائهم وشوارعهم.

وعام 1993 بعد اتفاقية أوسلو بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، كتبت سميرة عن بداية التغيير، وعن آمال الفلسطينيين، وتقبّلهم للاتفاق، فقد خرج الغزيون في استقبال حافل لقيادات السلطة الفلسطينية بعدها بعام. وكان أملهم في أن يعيشوا عهداً جديداً وحياة بعيدة عن الأحداث والقتال. تعلق: "للأسف لم يحدث هذا التغيير، فقد حصلت مذبحة مسجد فلسطين عام 1994 في حي الرمال، عندما هاجمت شرطة السلطة الفلسطينية المصلين وقتلت 12 منهم".

أما في الانتفاضة الثانية عام 2000، فكتبت بطريقة منتظمة، وأبدت سعادتها مع انطلاقها. في تلك الفترة زوّجت بناتها. لكنّ أحداث الانتفاضة حملت حزناً كثيراً إلى مذكراتها، مع نقلها صور المعاناة والقتل والدمار، خصوصاً مع قطع المياه والكهرباء خلال القصف. وصفت تلك الفترة بـ"العصر الحجري"، فقد استخدمت العائلات خلالها بابور الكاز والحطب.

كذلك، كان اجتياح منطقة الزيتون عام 2004 قاسياً عليها وعلى عائلتها. خلاله منعوا من الخروج مدة أسبوع كامل، واستشهد 16 شخصاً من حيهم، ودمّر عدد كبير من المنازل.

أما استشهاد الشيخ أحمد ياسين، الذي تصفه بـ"عملاق الشهداء"، فتقول فيه: "القلم وقف عاجزاً، وغزة انتفضت خلال ذلك الحدث وبدأ الدخان يعم كل أرجاء القطاع"، لافتة إلى أن الناس كانت تخرج باكية ومعتزّة برجال المقاومة. كما كتبت عن رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات: "رحل الرجل الوطني".

واعتبرت سميرة في مذكراتها، عام 2014 الأسوأ على عائلتها بسبب العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة. خلاله دمر منزلهم بالكامل، واستشهد زوج ابنتها، وأصيب خطيب ابنتها الأخرى، واستشهد عدد من أفراد عائلتها ودمرت منازلهم. عندها قررت التوقف عن الكتابة لكن عائلتها دفعتها للعودة.

اليوم، ما زالت سميرة تكتب وتتمنى عدم تفريط أولادها وأحفادها بمذكراتها. تقول: "الناس تورث المال للأولاد. أنا أورثهم مذكراتي وأحداثنا التي ما زلنا نعتز بها".

اقرأ أيضاً: شيماء العقاد.. حملات للتبرّع بالدم تنقذ مرضى غزة
دلالات
المساهمون