مدينة بلا مراحيض

18 ابريل 2016
كلما أراد أن يركن سيارته شعر بغضبٍ (حسين بيضون)
+ الخط -

ربما تردّد الشاب الأوروبي الذي علّق الحقيبة الرياضية على ظهره وحمل خريطة بيروت بيده قبل أن يسأل السؤال. لعلّه شعر بالإحراج، وهو الغريب عن المدينة. لكن الحاجة الملحّة دفعته إلى سؤال الشابين اللذين كانا يضحكان سوياً ويدخنان. اقترب منهما بتهذيب واستأذنهما. رحّب الشابان، وقد تبيّن من خلال الحديث السريع أنهما طالبان جامعيان.

أراد الشاب الأوروبي، صاحب الشعر الفوضوي الأشقر، أن يعرف أين يتواجد أقرب مرحاض عام في المدينة. وقع السؤال مفاجئاً على الشابين. ربما لم يفكرا به من قبل. نظرا إلى بعضهما كمن يسأل الآخر أن يجيب. حكّ الأول رأسه وعض الثاني على شفته السفلى كمن يستعيد تاريخ المدينة. لكنهما لم يملكا إجابة وافية للشاب الأوروبي الذي زادت علامات الإحراج على وجهه، بعدما لم يجد حلاً قريباً وسريعاً للشعور الطبيعي الذي اعتراه.

بعد تفكير، عرض أحد الطالبين حلاً سريعاً على الشاب ينقذه من الضيق الذي هو فيه. نصحه بأن يشتري شيئاً من أحد المطاعم القريبة فيكون بذلك قد ملك الحجة لاستخدام مرحاض المطعم.

اقتنع الشاب بهذه نصيحة التي تنقذه من الإحراج والضيق اللذين وقع فيهما. بدا أن هذا الحل هو الأمثل في هذه اللحظة. سارع إلى أقرب مطعم. وقد يكون سأل نفسه أيضاً: لماذا ليس هناك مراحيض عامة في بيروت وماذا تراها تفعل البلدية كل يوم؟

***

كلما أراد أبو خالد أن يركن سيارته شعر بغضبٍ شديد. أبو خالد رجل آدمي يكره المشاكل ويبتعد عنها. لا مكان لسيارة أبو خالد لأن جيرانه احتكروا جميع الأماكن. وضع كل منهم دعامة هي عبارة عن حجر إسمنتي أو حوض مزروعات، أو قام بزرع خازوق في الشارع، كي يحجز مكانا يركن فيه سيارته.

ولم يكن الجيران، غير الآدميين، ليتجرؤوا على فعل ذلك لولا أن شخصيات دينية وقضائية، من سكان المنطقة، بدأت بهذا الأمر ما تسبب بفتح شهيّة الآخرين. وقد صارت هذه الحالة عامة في بيروت تحت شعار "الشاطر بشطارته".

أصدر محافظ بيروت عدة قرارات بإزالة الدعامات والخوازيق، لكن هذا الأمر لم يحصل. فأصحاب الدعامات والخوازيق أقوى من المحافظ وسلطته.

يقول المثل إن "المال السائب يعلّم الناس الحرام". الطريق العام السائب، الذي لا تحميه الدولة بقوّتها وقانونها يفعل الأمر نفسه.

***

لم يسأل أحداً عندما تسلّق عمود الكهرباء وعلّق اللافتة الملوّنة في الشارع. لم يسأل البلدية ولم يسأل الجيران ولم يسأل شركة الكهرباء. أراد أن يعلّق اللافتة ليؤكد لزعيمه أنه ما زال يحبه ويبايعه. صورة الزعيم، أقوى من الثلاثة السالفين.


دلالات
المساهمون