الأمّ العربية العاملة أسيرة أسعار الحضانات الباهظة والتشريعات القاسية

لميس عاصي

avata
لميس عاصي
09 ابريل 2019
DAFD4C17-6ACC-4E1A-B750-BB92D6C69BD3
+ الخط -
عند الساعة السادسة صباحاً من كل يوم، تبدأ سحر بتحضير أغراض رضيعتها التي لم تبلغ عامها الأول، لتقلّها إلى حضانة خاصة بالقرب من مركز عملها. تقول سحر: "عند الساعة السابعة والنصف، أدخل طفلتي الحضانة، وأتوجه مسرعة إلى عملي، وعند الساعة الرابعة عصراً، أنهض مسرعة إلى الحضانة، فأي تأخير عن الوقت المحدد، يكلفني تسديد مبلغ إضافي". هذا الروتين اليومي، وفق سحر يكلفها ما يقارب 700 دولار تقريباً شهرياً، فيما تتقاضى راتباً لا يتجاوز 1000 دولار.

تقول سحر لـ"العربي الجديد": "لجأت إلى الحضانات الخاصة، بعدما بلغت طفلتي الشهرين من عمرها. انتهت إجازة الأمومة، وكان لا بد من إيجاد مكان جيد يمكن ترك ابنتي به طوال النهار". تلفت سحر إلى أن الراتب الذي تتقاضاه يسدد ثمن القسط الشهري لحضانة ابنتها، ناهيك عن مصاريف النقل، واللوازم التي تحتاج إليها الطفلة يومياً.

"فكرت مراراً بالاستقالة والجلوس في المنزل برفقة الطفلة، لكن مجرد التفكير بغياب فرص العمل في لبنان لاحقاً، والخوف من الوقوع في براثن البطالة، يجعلني أتمسك بعملي أكثر من ذي قبل، وخاصة أن مصاريف وجود طفل في العائلة مرتفعة جداً"، بحسب وصفها.


الأم العاملة

قصة سحر، تشبه مئات القصص التي تعيشها الأم العربية. ففي مصر، تضطر السيدات العاملات إلى اللجوء إلى الحضانات التي باتت أسعارها خيالية خوفاً من فقدان عملهن، في حين تقوم أمهات بوضع أطفالهن في حضانات الشقق، أي برفقة سيدة تستضيف الأطفال خلال النهار، بأسعار أقل نسبياً، وفق منى.

تعمل منى في شركة خاصة لتوزيع الأدوية، واضطرت لوضع طفلتها في شقة برفقة سيدة كبيرة في السن ترعى 4 أطفال آخرين. تقول منى: "لجأت إلى حضانات الشقق لأسعارها المنخفضة مقارنة مع الحضانات الخاصة، وتقوم هذه السيدة برفقة مربية برعاية الأطفال حديثي الولادة، وتأمين حاجاتهم مقابل مبلغ معقول نسبياً. لا تخفي منى قلقها عند بلوغ طفلتها عامها الأول، إذ لن تتمكن هذه السيدة من رعايتها، وستضطر إلى اللجوء إلى حضانة خاصة.

تعدّ مشكلة الحضانات (روضة الأطفال) في العالم العربي، من أكثر المشاكل التي تعاني منها الأسرة؛ فالظروف الاقتصادية من ناحية، والتشريعات المحلية من ناحية أخرى، التي تسمح للأم بإجازة أمومة تبدأ من 40 يوماً وتصل إلى 3 أشهر كأقصى حد، تقيّد وضع الأم، وتجعلها إما أسيرة البيت وإما الخضوع للتكاليف الباهظة، أو ربما البحث عن طرق مختلفة كإيجاد مربية، أو غيرها من الأمور التي تؤثر بشكل أساسي على صحة الطفل.

تكاليف الحضانة تثقل كاهل الأسر (Getty)

التشريعات الناقصة

"لا تلزم التشريعات القانونية المؤسسات أو الشركات بتأسيس حضانات خاصة للأطفال، كما لا تلزم القوانين في الكثير من الدول العربية بدفع مستحقات الحضانة"، تقول الناشطة في مجال حقوق الإنسان سناء خليفة. وتضيف أن القوانين والتشريعات في الكثير من الدول العربية تحتاج إلى مراجعة قانونية في ما يخصّ حقوق المرأة والطفل، وتشير إلى أن تونس تمكنت خلال السنوات الماضية من تعديل بعض القوانين الخاصة بالأسرة، ونجحت في تمكين المرأة في عدة مجالات، إلا أن باقي الدول العربية ودون استثناء ما زالت بعيدة عن مراعاة حقوق الأسرة، ومساعدة المرأة والطفل في العيش ببيئة سليمة.


وتضيف: "تعطي القوانين الأجنبية الأم العاملة حقوقاً أساسية لها ولطفلها، على عكس القوانين العربية، إذ تسمح التشريعات في الدول الأميركية والأوروبية بالسماح للأم البقاء مع مولودها في البيت من 6 أشهر إلى سنة كاملة، دون انقطاع راتبها الأساسي". وتردف: "أن بعض التشريعات تسمح للأم بالبقاء مع طفلها لبلوغه سنّ الثالثة قبل العودة إلى العمل، مع الاحتفاظ بمكانها في المؤسسة، على عكس الدول العربية، التي لا تسمح للأم بالبقاء مع مولودها لأكثر من شهرين". وتعتبر خليفة أن خوف الأم من فقدانها العمل، يضطرها إلى اللجوء إما إلى دور الحضانات، وإما البحث عن بديل آخر، وهو ما يتطلب مبالغ مالية طائلة.

التكاليف مرتفعة

ترجع ريهام محمد، التي عملت لسنوات في رياض للأطفال في كل من مصر وتونس قبل أن تستقر في دول الخليج، أسباب ارتفاع أقساط رياض الأطفال في الدول العربية عموماً، إلى اختلاف القوانين والتشريعات الخاصة بكل دولة.

وتقول: "يعود السبب الرئيسي إلى ارتفاع الأقساط الخاصة بالحضانات، إلى ما تتطلبه السلطات من معايير معينة للموافقة على تأسيس حضانة". وتضيف: "تنصّ بعض القوانين أن يتضمن كل فصل من فصول الحضانة 10 أطفال فقط لا غير، وأن يكون لكل 4 أطفال مربية خاصة، ما عدا معلمة الصف، ما يعني إلزام الحضانة بتسديد ثلاثة رواتب لكل فصل، وهي تكلفة مرتفعة".


أضف إلى ذلك، وفق محمد: "يتطلب تأسيس حضانة مبالغ ضخمة، ناهيك عن المصاريف الشهرية من إيجار، وشراء معدات، إضافة إلى التعاقد مع طبيب، ووجود ممرضة بشكل دائم لقسم حديثي الولادة، فهذه التكاليف المرتفعة تؤدي تلقائياً إلى رفع الأقساط الخاصة بالحضانة، وهو ما يتكبده الأهل في نهاية الأمر".

تعتبر نقابة أصحاب دور الحضانات في لبنان المرجع الرئيسي لمتابعة شؤون الحضانات، حاولنا الاتصال بهم، لمعرفة التفاوت في الأسعار، وخاصة أن أسعار بعض الحضانات تفوق الحدّ الأدنى للأجور، إلا أننا لم نلق أي جواب.

الأسعار تفوق الحد الأدنى للأجور (Getty)

 

 حضانة في مؤسستي

انطلقت في الأردن حملة تحت اسم حضانة في مؤسستي، تهدف إلى تفعيل التشريعات الخاصة بقوانين العمل، لجهة وجود حضانة في المؤسسة التي توظف نصف الكادر البشري من الأمهات. وبحسب بيانات الحملة التي تم نشرها على مواقع إخبارية أردنية، فإن المؤسسة مولجة بتأمين حضانة لائقة، مع مشرفة تراعي الرضّع والأطفال، على أن لا يقل عدد الأطفال عن عشرة. وبالتالي، وبحسب القائمين على الحملة، فإن وجود الحضانة يساعد الأم في إنجاز عملها دون قلق على أطفالها، ويزيد من إنتاجية المؤسسة.

تعلّق خليفة على هذه الحملة بالقول، إنها من أفضل الحلول الممكنة لضمان إنتاجية الأم العاملة، وبقاء الطفل في بيئة آمنة بالقرب من والدته، لكن معظم المؤسسات لا تعير أي اهتمام لوجود حضانة، وخاصة أن القوانين المرعية في الدول العربية لا تجبر الشركات على تأسيس حضانات داخل إطار العمل.

 

الأسعار مقارنة مع الرواتب

تختلف أسعار رياض الأطفال بين الدول العربية بشكل كبير، بالرغم من أن معظمها يساوي أكثر من نصف راتب الأم العاملة. وبحسب بيانات جمعتها "العربي الجديد"، استناداً إلى إحصاءات من موقع Numbeo للأرقام، فإن متوسط القسط الشهري يتراوح ما بين 100 و400 دولار تقريباً.

في لبنان، يصل متوسط التكلفة الشهرية للحضانة إلى نحو 350 دولاراً، أي نحو نصف المتوسط الشهري للحد الأدنى للدخل. وتبدأ الأسعار من 270 وتصل إلى أكثر من 600 دولار، وفي بعض مناطق العاصمة بيروت يصل القسط الشهري في الحضانة إلى 800 دولار تقريباً، أي إن العام الدراسي يصل إلى 3500 دولار دون احتساب النفقات الإضافية. وبالمقارنة مع الحد الأدنى للأجور، نلاحظ أن الأقساط تزيد عن الحد الأدنى بنحو الضعفين.

أما في مصر، فإن متوسط أقساط رياض الأطفال الخاصة تبدأ من 200 دولار وتصل إلى 400 دولار، وبمعدل عام، يصل القسط الشهري لجميع المحافظات المصرية إلى نحو 115 دولاراً، إذ تختلف الأسعار ما بين محافظة وأخرى، وتبدأ من 43 دولاراً في بعض المناطق، وهو ما يزيد عن الحد الأدنى المعمول به.

في الأردن، يبلغ المعدل العام للأقساط الشهرية الخاصة برياض الأطفال نحو 241 دولاراً، حيث تتراوح الأسعار ما بين 140 و350 دولاراً، ما يعني أن الأم العاملة عليها تسديد كامل راتبها وأكثر بدل القسط الشهري للحضانة.

في العراق، تتراوح الأقساط الشهرية لدور الحضانة بين 65 دولاراً و290 دولاراً وفق المناطق، سواء في العاصمة أو مناطق أخرى، وبمعدل عام فإن القسط الشهري يبلغ نحو 130 دولاراً وهو رقم مبالغ فيه، بحسب المواطنين.

في تونس، فإن متوسط الأقساط شهرياً يبدأ من 58 دولاراً، ويصل إلى أكثر من 120 دولاراً، وهو ما يوازي نصف الدخل الشهري للأسرة.

كذا في الجزائر، فإن متوسط الأقساط شهرياً يتراوح ما بين 40 و120 دولاراً. وبمعدل عام، فإن القسط الشهري يصل إلى 66 دولاراً تقريباً. لا يختلف الأمر في دولة المغرب، إذ يصل المعدل العام إلى 110 دولارات، حيث تختلف الأسعار ما بين منطقة وأخرى داخل المملكة، وتبدأ الأسعار من 52 دولاراً وتصل إلى 210 دولارات.

ذات صلة

الصورة

مجتمع

في عيد الأم أفادت تقارير فلسطينية بأنّ 37 أمّاً يستشهدن يومياً في قطاع غزة، في حين أنّ 28 أسيرة مغيبة في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
الصورة
امرأة فلسطينية وطفل فلسطيني وسط الحرب على قطاع غزة (بلال خالد/ فرانس برس)

مجتمع

أفادت الأمم المتحدة بأنّ إسرائيل تقتل سبع نساء فلسطينيات في قطاع غزة كلّ ساعتَين، واثنتَين من الأمهات كلّ ساعة. أضافت أنّ 67 في المائة من بين أكثر من 14 ألف شخص قُتلوا حتى الآن هم من النساء والأطفال.
الصورة
عراقي يتحدى إعاقته (العربي الجديد)

مجتمع

لم يستسلم الشاب العراقي مصطفى إسماعيل (30 عاماً) المصاب بالشلل الرباعي لإعاقته، ولا للظروف المعيشية الصعبة المحيطة به، وتمكّن متسلحاً بالإرادة الصلبة من تحقيق حلمه في افتتاح مكتبته الخاصة، أخيراً، في شارع النجفي بمدينة الموصل.
الصورة
أمهات فلسطينيات في رام الله بمناسبة عيد الأم 2023 (العربي الجديد)

مجتمع

لم تفوّت عشرات الأمهات الفلسطينيات الاحتفال بعيد الأمّ، إنّما فعلنَ بطريقتهنّ الخاصة وفي الشارع. وقد طالبنَ بـ"هدية واحدة"، أن تكون لأبنائهنّ الشهداء قبور يرقدون فيها، فيتمكنّ من زيارتها.