إدمان ترامادول في غزة: حرب استخباراتية تستهدف شباب القطاع

30 يناير 2017
تضم المصحة طواقم طبية مؤهلة (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

توقّع الشاب الفلسطيني سامر حسن (اسم مستعار) أن يكون كوب الشاي الذي منحه إياه أحد العاملين معه في مهنة طلاء المنازل، بمثابة كأس الراحة المؤقت الذي يُجدد به نشاطه، لكنه صُدم بحقيقة إدمانه عقار (ترامادول) المخدر والمحظور استخدامه داخل قطاع غزة إلا بوصفة طبية مسبقة وكميات محدودة.

كوبان من الشاي على مدار يومين من العمل المتواصل، كانا كافيين ليسأل الشاب العشريني زميله في اليوم الثالث عن سر المذاق المختلف لمشروب الشاي وتأثيره غير المسبوق عليه، ليكتشف أنه يحتوي على العقار المحظور.

ويقول العشريني لـ"العربي الجديد" إنّ "الأعراض بدأت تظهر عليه بشكل سريع وتنعكس على مسار حياته اليومية عبر انخفاض الإقبال على أعماله وغياب التركيز في إنجازها بالشكل السابق".

ويضيف أن من بين الأعراض التي بدأت تظهر عليه هشاشة العظام وعدم التركيز وفقدان حالة الاتزان في التعامل مع الناس، ما تسبب في توقف الأعمال الخاصة به، بالإضافة إلى طلب زوجته الطلاق وتشتت الأطفال بعد انكشاف سر إدمانه عقار (الترامدول) المخدر.

ويبين الشاب أن أحد أصدقائه تواصل بشكل سري مع أحد المسؤولين في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بغزة، من أجل علاجه في إحدى المصحات التابعة للإدارة بشكل يضمن تعافيه واستعادة أسرته وعمله مجدداً.

ولم يخف الشاب العشريني خشيته، في بداية الأمر، من تعرّضه للمحاسبة القانونية، إلا أن التعامل المختلف من قبل القائمين على المصحة جعله يستجيب للعلاج في فترة قياسية تمكن خلالها من إصلاح ما خسره بفعل إدمانه واستعاد أسرته وعمله مجدداً.


ومطلع العام الجاري، افتتحت الهيئة العامة لمكافحة المخدرات أول مصحة لعلاج الإدمان في غزة، لتأهيل المدمنين وإعادة دمجهم في المجتمع مجدداً، وتضم المصحة طواقم طبية مؤهلة جرى العمل على تدريبها طيلة الفترة الماضية للتعامل مع المدمنين في مرحلة العلاج والتأهيل.

ويقول مدير دائرة العلاقات العامة والتدريب في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في غزة، الرائد حسن السويركي، إنّ قطاع غزة يتعرض لحرب من نوع آخر تتمثل في محاولة إغراقه بالمخدرات تقودها أجهزة مخابرات تستهدف بشكل خاص فئة الشباب.

ويوضح السويركي، لـ"العربي الجديد"، أن عقار الترامدول هو الأكثر شيوعاً حالياً في القطاع المحاصر إسرائيلياً بين فئة الشباب خصوصاً، نظراً لانخفاض ثمنه، بالإضافة إلى سهولة حمله والتحرك به مقارنة مع أصناف المخدرات الأخرى.

ويبيّن أنه تم فحص عقار الترامدول المتداول بغزة في أحد المختبرات المصرية التي كشفت عن طبيعة المواد المستخدمة فيه، والتي تتكون من مشتقات المخدرات، بالإضافة إلى سم لمكافحة الفئران ومادة الجير ومادة أخرى لم يجر التعرف على طبيعتها.

ورغم تحفظ السويركي على معدلات الإدمان المتداولة في غزة، فإنه يلفت إلى انحسار هذه الظاهرة وتراجعها خلال السنوات الأخيرة، بالرغم من ضبط كميات كبيرة من المخدرات، نتيجة حملات التوعية والضربات التي وجهتها الأجهزة الأمنية لمروّجي هذه المواد الممنوعة.

ويشدد على أن الكثير من مروّجي هذه المواد وتجار المخدرات في غزة كانوا مرتبطين بعلاقات تخابر مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وجرى إسقاطهم في العمالة من خلال هذه المواد التي تستهدف الفلسطينيين في غزة على اختلاف شرائحهم.

ووفقاً للقانون رقم 7 الصادر عن المجلس التشريعي عام 2013 الخاص بالمخدرات، جرى إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات والمُذهِبات العقلية، والتي تضم عدداً من المؤسسات الحكومية، بما فيها وزارتا الصحة والداخلية، والذي ينص في حيثياته على إنشاء مصحة خاصة لعلاج المدمنين.

في السياق، يقول استشاري الطب النفسي ومعالجة الإدمان، الدكتور عبد الله الجمل، لـ"العربي الجديد"، إنّ المصحة ومنذ افتتاحها استقبلت أربع حالات، من أصل 15 حالة إجمالي السعة التي تستطيع استيعابها حالياً.

ويوضح الجمل أن المدمن يخضع لعزل تام، لضمان عدم وصول المواد المخدرة إليه، ومن أجل سحب المواد المخدرة عبر عقاقير طبية يجري حقنها من قبل الأطباء والمختصين، ثم تجري بعدها عمليات مراجعة تستمر من عام ونصف إلى عامين، للتأكد من عدم عودة المدمن إلى التعاطي مجدداً.

ويبيّن استشاري الطب النفسي ومعالجة الإدمان، أن فترة العلاج تجري خلالها عملية تأهيل نفسية واجتماعية للمدمن، عبر سلسلة من اللقاءات من تجارب سابقة لحالات أدمنت وتمكنت من الشفاء، بالإضافة إلى حضور رجال الدين ضمن برنامج العلاج.

ويشير الجمل إلى وجود طواقم طبية مؤهلة جرى العمل على تدريبها وإكسابها المهارات اللازمة من أجل التعامل مع المدمنين النزلاء داخل المصحة، بالإضافة إلى فرض السرية التامة والكاملة عليهم وحمايتهم من أي ملاحقات قانونية حال أتوا بشكل طوعي.

المساهمون