ويعزو هيثم في حديث لـ"العربي الجديد"، سبب حرمانه من التعليم إلى الظروف الاجتماعية للأسرة، فقد قتل والده على يد القوات الأميركية عند غزوها البلاد في 2003، وكان ما زال طفلاً صغيراً، فانتقل للعيش مع والدته وأخته الصغرى في قرية نائية على أطراف محافظة ديالى، شرق العراق، قرب الحدود مع إيران، واضطر إلى مرافقة جده المريض الذي يرعى الأغنام، وهو العمل الوحيد الذي يمارسه جده ليكفل معيشة أسرة بسيطة.
ويضيف أنه لم يكن يأبه للدراسة والتعلم، ولم يكن يدفعه أحد إلى التفكير في الانضمام إلى المدرسة، وكان يرى أطفالاً صغاراً من قرية مجاورة يسيرون مسافة طويلة في طريقهم إلى مدرستهم حين كان يسوق الأغنام إلى المرعى برفقة جده.
ويتابع: "كنت أتصفح كتباً مدرسية ممزقة، أو مجلات أجدها في الطريق أو في بيوت قريتنا الصغيرة، كنت أتشوق لمعرفة المكتوب فيها، وهذا كان يؤثر فيّ كثيراً".
هيثم الذي أصبح يعمل في نقل البضائع، يقول إنه دخل في دورة لمحو الأمية قبل عامين، وأصبح يجيد القراءة والكتابة، وينوي إكمال تعليمه والحصول على شهادة.
ويضيف: "كنت دائماً أشعر بأني أقل شأناً من غيري، أضطر للاستعانة بآخرين لقراءة أو كتابة إيصالات مبالغ تخص عملي. الآن تغير الحال كثيراً، شعوري اليوم لا يوصف، إجادتي القراءة والكتابة تحفزني على مواصلة التعليم".
من جهته، يقول حبيب جسار، إنه أصبح يلعن ماضيه المظلم، ويرى أن هذا "الظلام" جعله يتخلف عن أقرانه. حبيب شرطي في العقد الثالث من العمر، وأب لثلاثة أطفال، يتحسر على سنوات مضت لم ينل فيها حقه بالتعليم.
ويلقي الشرطي العراقي باللائمة على والده الذي كان يلزمه بمساعدته في عمله بجمع الأجهزة الكهربائية التالفة من المنازل لأجل بيعها والانتفاع من عائداتها البسيطة، التي كانت لا تفي بأكثر من تدبير الاحتياجات الضرورية لأسرة تتكون من والدين وسبعة إخوة.
لم يكن أمام حبيب الكثير من الخيارات لرسم مستقبله، وجميعها ليست بمستوى الطموح، فهو لم يتعلم مهنة تمكنه من شق مستقبله، ووجد نفسه أميّاً يجهل القراءة والكتابة، وهو ما يزيد من مشقة بناء مستقبله.
ورأى في التطوع في جهاز الشرطة أفضل طرق بناء مستقبله، حيث سيتحصل بعد سنوات على قطعة أرض سكنية، ومن المتوقع أن يحظى بقرض لبنائها، وبذلك يمكنه أن يملك مسكنا جيدا، فضلاً عن راتب شهري ثابت يفي باحتياجاته البسيطة.
يقول حبيب إنه كان يشعر بالخجل من الآخرين أثناء تأديته واجباته المكلف بها سواء بمفرده أو برفقة زملائه، إذ أوقعه جهله القراءة في مواقف محرجة، حين يتذكرها-بحسب قوله- ينتابه الحزن والغضب.
في مرات كثيرة، كان يتوجب عليه الاطلاع على بطاقات تعريفية لمواطنين في مفارز تقيمها لجان أمنية تابعة للشرطة في شوارع العاصمة العراقية، يقول: "في إحدى المرات ناولني سائق سيارة أوقفته في مفرزتنا بطاقة اعتقدت حين رأيتها أنها بطاقة شخصية لرجل مهم يعمل لصالح إحدى السفارات الأجنبية، فالبطاقة كانت بلونين أحمر وأزرق، وطباعتها جذابة ولم تكن عليها صورته، فسألته لماذا لا توجد صورتك على بطاقتك التعريفية، فنظر إلى البطاقة واعتذر بشدة موضحاً لي أنه أخطأ ولم ينتبه فناولني بطاقة الطبيبة النسائية التي أجرت عملية الولادة لزوجته بدلاً من بطاقته الشخصية".
ويضيف: "كان هذا من أكثر المواقف التي شعرت فيها ليس فقط بالإحراج بل باحتقاري لنفسي"، مبيناً أن هذه المواقف دعته إلى دخول دورة تعلم القراءة والكتابة التي أجرتها وزارة الداخلية قبل ثلاثة أعوام، مؤكداً أنه بعد نجاحه في دورة محو الأمية التي دخلها، أصبح قارئاً نهماً للكتب التاريخية والأدب العربي.
وتقدّر منظمات محلية عراقية، عدد الأميين ممن لا يجيدون القراءة والكتابة بأكثر من 6 ملايين شخص، بواقع ربع الشعب العراقي، وتشير أبحاث وتقارير جهات دولية ومحلية متخصصة إلى أن مخلفات الحروب تسببت في رفع نسبة الأمية في البلاد.
وكان وزير التربية، محمد إقبال الصيدلي، أعلن، في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، افتتاح أكثر من 5 آلاف مركز لمحو الأمية في جميع المحافظات العراقية، وتخريج أكثر من مليون دارس.
وأشار الصيدلي إلى أن الوزارة أطلقت ضمن الحملة مشروع القضاء على الأمية في المؤسسات الحكومية المختلفة، إذ تم فتح أكثر من 180 مركزا، وتخريج أكثر من 69 ألف موظف لجميع الدوائر.
من جهتها، كشفت الهيئة العليا للجهاز التنفيذي لمحو الأمية، في تصريح صحافي في مايو/أيار الماضي، عن تخريج نحو 1.5 مليون دارس منذ بدء حملتها عام 2012 وحتى الآن، داعية إلى استثمار مواهب الدارسات الأميات في المراكز المجتمعية، وتوفير فرص عمل لهن في المعامل الحكومية والأهلية.