يبدو أنّ كلّ شيء في ليبيا متحالف لتنغيص أيّ فرحة قد يعيشها الليبيون في يوم ما. فبعد أكثر من أسبوعين على شهر رمضان، لم يعرف هؤلاء بعد معنى بهجة هذا الشهر، لا سيّما وسط غلاء الأسعار الكبير وفقدان السيولة النقدية. وكما في كلّ مناسبة دينية، عمد التجّار من جديد إلى مضاعفة أسعار السلع بقصد زيادة أرباحهم أضعافاً وأضعافاً، الأمر الذي جعل المواطن الليبي يرزح تحت أثقال إضافية، فيُرهَق أكثر وأكثر.
في الأسواق الليبية، لا يخفي المواطنون استياءهم من الارتفاع الكبير في الأسعار هذا العام. يشير أحدهم لـ"العربي الجديد"، بامتعاض شديد، إلى أنّ الحاجيات التي كنّا نؤمّنها في خلال شهر رمضان من العام الماضي لقاء 400 دينار ليبي (نحو 290 دولاراً أميركياً) صارت تتطلب نحو 1200 دينار (نحو 860 دولاراً). وتتشابه الحال في كلّ الأسواق تقريباً، ويمكن للمراقب أن يرى المحال خالية نسبياً في سوق الخضراوات الذي لا يؤمّن إلا الأساسيات، أمّا السبب فيعيده البائعون كما المتسوّقون إلى غلاء الأسعار وفقدان السيولة.
ويستغلّ التجار تفلّت الوضعَين السياسي والأمني في البلاد، في خلال شهر رمضان، لرفع أسعار المواد الاستهلاكية بهدف تحقيق الربح الأقصى. ولعلّ عوامل أخرى تجبرهم على رفع أسعار سلعهم، من قبيل الانهيار الكبير في قيمة الدينار الليبي بالإضافة إلى تهريب المواد المدعومة. وهو ما يثقل كاهل المواطن الذي يضطر إلى تقليص حجم مشترياته أو الاستدانة للتمكّن من توفير المصاريف.
في ظلّ تفاقم الأزمات باختلافها، لا سيّما الاقتصادية والسياسية، واشتعال النزاعات المسلحة، فقدت أجواء رمضان خصوصيتها وبهجتها. ولا يمكن لأيّ مراقب ألا يلاحظ التجهّم على وجوه المواطنين الذين يشكون من ارتفاع الأسعار والفساد والانفلات الأمني، في حين تتكرر مشاهد الطوابير الطويلة أمام المصارف. كلّ ذلك يمنع الليبيين من الشعور بروحانيات شهر رمضان، بالإضافة إلى اندلاع المواجهات المسلحة في جنوب العاصمة الليبية طرابلس قبيل دخول شهر الصوم.
يوسف كحيل من هؤلاء المواطنين الممتعضين من الأوضاع الراهنة، يسأل وهو في طريقه إلى أحد المجمّعات التجارية في طرابلس للتسوق: "كيف لي أن أفرح وأبتهج بصيامي وأنا أسمع في هذه اللحظات أصوات الانفجارات والأسلحة؟". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّه "في كل يوم أفكّر مع أصدقائي في مآل أسرنا، في حال توسّعت رقعة القتال ووصلت إلى حيّنا في منطقة الفرناج التي يفصلها 12 كيلومتراً فقط عن الأحياء حيث التوتّر العسكري".
والأوضاع الأمنية المتدهورة دفعت عدداً من المصارف إلى إقفال أبوابها بسبب موقعها في داخل مناطق الاشتباكات أو بالقرب منها، الأمر الذي زاد الازدحام أمام مقار المصارف الأخرى. يُذكر أنّ المصارف لا تسمح للمواطن بسحب أكثر من 500 دينار (نحو 360 دولاراً) شهرياً، وهو مبلغ لا يكفيه لتأمين كل احتياجات هذا الشهر. وبحسب تقديرات خبراء اقتصاديين، فإنّ متوسط عدد أفراد الأسرة الليبية هو خمسة أشخاص وهي تحتاج شهرياً إلى ألفَي دينار (نحو 1430 دولاراً) كحدّ أدنى للعيش.
في جولة لـ"العربي الجديد"، تبيّن أنّ ما لا يقل عن ثلاثة أسواق شعبية كبيرة أقفلت كلياً، نتيجة موقعها الجغرافي، لا سيّما سوق الأحد وهو السوق الرئيسي الذي يزوّد طرابلس بالخضراوات، في حين تأثّر سوق الكريمية الذي يزوّد العاصمة بالمواد الأساسية بالمواجهات التي تقع على بعد بضعة كيلومترات منه.
وكان مسؤولون في صندوق موازنة الأسعار، وهو مؤسسة حكومية تهدف إلى تحقيق توازن في أسعار السلع والخدمات، قد اشتكوا في خلال تصريحات صحافية من تخصيص الحكومة ميزانيات كبيرة لشركات القطاع الخاص لتوريد السلع بدلاً من ترك المهمّة للصندوق المسؤول عن ذلك. في السياق، يشكو كحيل من أنّ "كيلوغرام السكر وصل إلى أربعة دنانير ليبية (نحو ثلاثة دولارات أميركية) بعد حزمة الإصلاح الاقتصادي في البلاد، في حين أنّه كان بدينارَين (نحو 1.5 دولار)". يضيف أنّ "زيت الطهي كان بثلاثة دنانير (نحو 2.15 دولار) وصار اليوم بستة دنانير (4.30 دولارات)".