قصّر مجرمون في الجزائر

07 يونيو 2018
مراهقون في الجزائر (العربي الجديد)
+ الخط -

يشهد المجتمع الجزائري تغيّرات كثيرة على الصعيد الاجتماعي. وما يُقلق الأهل والفئات المعنية هو ارتفاع نسبة ارتكاب الجنح والجرائم بين الأطفال في البلاد، نتيجة عوامل عدة

يُقلق تنامي الجريمة بين الأطفال والقصّر الجزائريّين، خصوصاً بعد امتدادها إلى المدارس، في خضم جملة من التحولات الاجتماعية التي يشهدها النسيج المجتمعي في البلاد خلال السنوات الأخيرة، بسبب عوامل مختلفة ومتداخلة، منها وسائل التواصل الاجتماعي وتراجع دور العائلات التربوي.

في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، شهدت مدينة خنشلة شرق الجزائر جريمة قتل بطلها طفل أقدم على طعن زميل له، بسبب خلافات بينهما حول لعبة. وفي شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، شهد حي شعبي في مدينة وادي سوف جنوب الجزائر جريمة قتل نفذها قاصر (16 عاماً) بحقّ شقيقه الأكبر بسبب خلاف بينهما. قبل ذلك، في عام 2014، قتل تلميذ في الصف المتوسط صديقه في مدينة وهران غرب الجزائر بسبب رفضه مساعدته في الامتحان. في ذلك الوقت، أثارت الجريمة جدالاً واسعاً في البلاد، في ظل الخوف من تمدد الجريمة إلى المؤسسات التربوبة.

وتؤكّد التقارير الرسمية الصادرة عن المديرية العامة للأمن الجزائري أن آلاف الأطفال يجنحون سنوياً إلى ارتكاب جرائم مختلفة ومتفاوتة الخطورة. وفي وقت سابق، كشف محافظ الشرطة القضائية خالد بودمالة أنّ عدد الأطفال الذين ارتكبوا جنحا في عام 2017 بلغ 5423 طفلاً، بالمقارنة مع 5368 في عام 2016. وأشار إلى أن السلطات القضائية اضطرت إلى وضع 2933 طفلاً في مراكز متخصصة، وتسليم 320 طفلا إلى ذويهم، والإفراج عن 2341 آخرين.

وكان لافتاً تطور هذه الظاهرة. في عام 2012، أعلنت أجهزة الأمن الجزائرية أرقاماً خطيرة ومؤشرات عن تحول لافت حول انحراف الأطفال وارتكابهم جنحا وجرائم قتل واستعمالهم السلاح الأبيض. في ذلك العام، أحصت مصالح الأمن تنفيذ 17 قاصراً جرائم قتل مع سبق الإصرار والترصد، وتسجيل 400 حالة لأطفال من الجنسين تورطوا في اعتداءات جسدية ضد الأبوين أو أفراد العائلة. والمؤشر الأخطر كان تسجيل 3805 حالات تورط قصر بالضرب عمداً من خلال استخدام السلاح الأبيض.



هذه الظاهرة دفعت رئيس أركان قيادة الدرك الوطني العميد مناد نوبة إلى التحذير من أن "الجنح التي يرتكبها الأحداث والقصر باتت من أبرز مخاطر التحولات الاجتماعية التي تهدد توازن وانسجام المجتمع". وما يقلق المتابعين والباحثين أكثر هو تمدد الظاهرة داخل المدارس والمؤسسات التعليمية، خصوصاً بعد تسجيل حوادث قتل ارتكبها قصر في محيط المؤسسات التربوية، وتزايد حالات الاعتداء على الأساتذة في المدارس.
في هذا الإطار، يقول الباحث المتخصص في علم الجريمة كمال لياني إن التفسيرات التي تربط بين الفقر والانحراف لم تعد دقيقة لفهم ظاهرة انحراف الأطفال. ويؤكد لـ "العربي الجديد" أن "هناك عوامل أخرى لها علاقة بهذه الظاهرة، أبرزها تراجع دور المؤسسات الاجتماعية كالأسر. وباتت الضغوط المرتبطة بظروف العيش وغلاء المعيشة تؤدي إلى تراجع توعية القصر". ويشير إلى أن "المساجد والمراكز الثقافية ودور الشباب والمجتمع المدني لم تعد تؤدي دورها في التربية المدنية السليمة للأطفال"، مضيفاً عاملاً آخر وهو غياب قيم الجمال والحس الفني في المؤسسات التربوية. وتغيب دروس الفن والموسيقى والرسم وأحياناً الرياضة، علماً أنها تساهم في تخفيف الضغوط على التلاميذ، ونسب العنف لديهم. كما يلفت إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أثرت على القصر والمراهقين".

يلعبان (Getty) 


كما يتحدث المصدر نفسه عن المخدرات التي باتت تشمل المراهقين، وقد ارتفعت النسبة خلال السنوات الأخيرة، ودفعت عشرات الأطفال إلى الانحراف. ويستغل جزء منهم من قبل شبكات الاتجار بالمخدرات لتوزيعها وبيعها، كونهم خارج رقابة الأجهزة الأمنية، ثم يوضعون في سجون إصلاحية.

تقول المفوضة العامة لحماية الطفولة في الجزائر مريم شرفي، إن 400 قاصر يقبعون في السجون الإصلاحية بسبب ارتكابهم جرائم خطيرة تستوجب وضعهم في مراكز لإعادة التأهيل. وفي هذه السجون أجنحة خاصة للأحداث لمنع اختلاطهم بالمساجين الأكبر سناً. وتوضح أن قانون الطفولة الصادر في عام 2015 سمح لقضاة الأحداث بإعطاء الأولوية لتدابير الحماية وإعادة الإدماج قبل السجن، إلا في حالات خاصة"، على أن تنفّذ برامج خاصة لإعادة التربية داخل المؤسسة الإصلاحية، ثمّ برنامج للمتابعة وإعادة التأهيل الاجتماعي بعد الافراج عنهم، ما
أثبت نجاحه.



تدافع شرفي، وهي قاضية سابقة عن الأطفال الذين يرتكبون جنحاً أو جرائم. وترى أن "هناك ظروفاً تدفعهم إلى ذلك، وهم ليسوا مجرمين خطرين كما يصور البعض. ولكلّ واحد قصة وحكاية وظرف اجتماعي يدفعه إلى ارتكاب جرم معين". وتشير إلى أن عددا من الأطفال هم ضحايا الطلاق والمشاكل الأسرية التي تدفع بالقصر إلى الانحراف، أو الفقر الذي قد يدفع بعض القصر إلى السرقة.

وبالنسبة للتوزيع الجغرافي، تأتي المدن الكبرى في المقدمة، خصوصاً العاصمة الجزائرية التي تضم أكثر من 800 طفل قاصر، ثم مدينة وهران غرب الجزائر بأكثر من 500 قاصر، ومدينة سطيف وعنابة شرق الجزائر، بما يقارب 500 قاصر متورط. واللافت أن المدن التي تنتشر فيها المخدرات أكثر، هي نفسها المدن التي تشهد ارتفاع نسبة تورط الأطفال في الجنح والجرائم.

تجدر الإشارة إلى أنه منذ سنتين، قررت السلطات الجزائرية إنشاء 50 فرقة أمنية على المستوى الوطني تتولى حماية الفئات الهشة في المجتمع، بما فيهم القصر الذين ارتكبوا جنحاً.