تونسيات بين الريف والمدينة

24 يناير 2019
في إحدى قرى الريف (العربي الجديد)
+ الخط -

كثيرة هي الظروف التي تدفع بنات الريف التونسي إلى العمل في المدن، في مؤسسات أو مصانع، بعيداً عن مناطقهن. من تلك الظروف انعدام فرص العمل في القطاع الزراعي في الشمال الغربي أو الجنوب

قبل أربعة أعوام، أطلقت فاطمة الماجري (29 عاماً) مشروعها الصغير لتربية الدواجن في مزارع طبيعية مفتوحة، بعد الحصول على قرض صغير من "بنك التضامن"، في إطار برنامج يشجّع على إقامة مشاريع زراعية صغرى. واستطاعت فاطمة بذلك أن تؤمّن لنفسها مورد رزق بعدما يئست من الحصول على وظيفة في القطاع العام، هي الحاصلة على شهادة ماجستير في التاريخ.

تقول فاطمة لـ"العربي الجديد" إنّها كانت تصرّ على الحصول على فرصة عمل لها في منطقتها في ريف محافظة الكاف، شمال غربي تونس، مضيفة "لم أكن أرغب في ترك بيئتي للبحث عن عمل في إحدى المدن التونسية، مثلما فعلت عشرات من بنات الريف هنا". وتتحدث عن "صعوبة الحصول على وظيفة في القطاع العام، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد بعد الثورة وتوقّف الانتدابات في الوظيفة العمومية، الأمر الذي دفعني إلى التفكير في إنجاز مشروع صغير يتلاءم وبيئتي الريفية حيث أعيش". وهي اليوم تشرف على تربية أكثر من ثلاثة آلاف دجاجة في الطبيعة، أي في خارج المداجن وبعيداً عن آلات تفقيس البيض، في حين تحصل على بعض العلف الطبيعي غير المصنّع، الأمر الذي يجعل ثمن البيض الذي تبيعه أو الدواجن التي تربيها مرتفعاً بالمقارنة مع أسعار غيرها. وتوضح فاطمة أنّ "عملي يوفّر لي مدخولاً شهرياً يتراوح ما بين ألف دولار أميركي وثلاثة آلاف. وهو مبلغ ما كنت لأحصّله لو أنّني اشتغلت في التدريس". وتشير إلى أنّ "عدداً من أبناء منطقتي، سواء من الشبان أو الشابات، يهجر الريف نحو المدينة بحثاً عن عمل في المصانع، على الرغم من آلاف الفرص المتوفّرة في الريف التي من الممكن أن يقبل عليها الشباب عموماً".



وفي حين فضّلت فاطمة العمل في منطقتها الريفية على الهجرة صوب المدينة والشغل في وظيفة لقاء أجر بسيط، فإنّ آلاف الشابات الريفيات يخترنَ المدينة، سواء المتحصلات على شهادات تعليم عالٍ أو غيرهنّ ممّن لم يحالفهنّ الحظ في مواصلة الدراسة. يُذكر أنّ دراسة حول التفاوت بين المناطق التونسية، من إعداد الباحث في علم الاجتماع المتخصص في الديموغرافيا في جامعة تونس، حسان القصار، بالتعاون مع البنك الدولي، بيّنت أنّ البحث عن عمل يحتلّ صدارة أسباب الهجرة الداخلية في تونس مع نسبة 64 في المائة.




من جهتها، تقصد سكينة (32 عاماً) يومياً عند الساعة السادسة صباحاً، عملها في أحد مصانع الخياطة بمحافظة المنستير، وسط شرقي تونس. تقول الشابة الحاصلة على شهادة تقنية في صيانة المعدات الإلكترونية، لـ"العربي الجديد"، إنّها "انتظرت أكثر من ثلاثة أعوام للحصول على عمل يتماشى ومستواي التعليمي في إحدى الشركات، لكنّني اليوم أعمل خياطة في مصنع صغير". هي تركت منطقتها الريفية، على الرغم من امتلاكها أرضاً زراعية صغيرة. تضيف: "حاولت الحصول على قرض من أحد البرامج التي تشجع للشباب على إطلاق بعض المشاريع الريفية الصغرى، لكنّني لم أنجح في ذلك". وتشير إلى أنّ "اللواتي يحصلنَ على مثل تلك القروض يستفدنَ من تدخلات أو يدفعنَ بعض الرشاوى لتسهيل تمرير ملفاتهنّ، بينما نبقى نحن على قوائم الانتظار. وهو انتظار قد يطول لأعوام عدّة، الأمر الذي دفعني إلى ترك الريف واللجوء إلى العمل في المدينة لقاء أجر لا يتجاوز مئتي دولار أميركي". لا تخفي سكينة أنّها غير راضية اليوم عن عملها وتتمنّى لو أنّها حصلت على قرض للعمل في محافظة سليانة، شمال غربي البلاد، لتطلق مشروعاً خاصاً بالصبّار، وتبيع في وقت لاحق الثمار لمصانع متخصصة في تقطير الزيوت وصناعة بعض مواد التجميل.



لا تختلف تجربة شيماء (30 عاماً) كثيراً عن تجربة سكينة، باستثناء أنّها لم تكمل تعليمها العالي. هي فضّلت الالتحاق بسوق الشغل في أحد مصانع الساحل بعد ترك عين دراهم في جندوبة، شمال غربي تونس. تقول: "كنت أعمل في بعض الأعمال الزراعية مثل جمع الخضار وقطاف الزيتون وحصاد بعض المحاصيل. لكنّني كنت أتلقى أجراً بسيطاً لا يتجاوز ثلاثة دولارات في اليوم". تضيف: "فسعيت إلى الحصول على قرض لتربية الدواجن أو استغلال أرض والدي وإنجاز مشروع أشجار مثمرة. لكنّني، على الرغم من حصولي على تكوين (تدريب) في المجال، فإنّ جهودي باءت بالفشل ولم أحصل على قرض، ولم أحصل على أيّ تبرير حول سبب رفض منحي قرضاً في إطار برنامج تشجيع الشباب على بعض مشاريع صغرى صناعية أو حرفية أو فلاحية". وتلفت شيماء إلى أنّ "عشرات الشابات مثلي فضّلنَ الهجرة للعمل في المصانع أو التجارة، تاركين أراضيهنّ مهملة".

تجدر الإشارة إلى أنّ المرأة الريفية تمثّل نحو 70 في المائة من اليد العاملة في القطاع الزراعي، وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء في تونس. وتساهم المرأة التونسية بنسبة 68 في المائة من الدخل القومي الخام، وتؤمّن إنتاج الخضار والغلال بنسبة 90 في المائة، في حين لا تستفيد 65 في المائة من النساء الريفيات العاملات من التغطية الاجتماعية. وتصل نسبة المنقطعات عن الدراسة في الوسط الريفي وفق بيانات المعهد، إلى نحو 70 في المائة بسبب الفقر.




في سياق متّصل، تهجر شابات مناطقهنّ الريفية وأرضيهنّ ليعملنَ في الزراعة بقرى كبرى قريبة من المدن. خديجة اللافي (28 عاماً) على سبيل المثال، رحلت عن جندوبة لتعمل في منوبة (شمال) القريبة من العاصمة، نظراً إلى توفّر فرص عمل. وتوضح أنّ "مثل تلك المهن غير متوفّرة في منطقتي، لانعدام الأعمال الزراعية الكبرى بها ولجوء بعض أصحاب الأراضي إلى تشغيل الشبان حصراً، لا سيّما في القطاف. فمنطقتي هي منطقة غابات في الأساس تضمّ أشجار الصنوبر والكلتوس والفلين ولا تحتوي على عدد كبير من الأشجار المثمرة".
المساهمون