المحاصصة والتغيير في العراق

09 ديسمبر 2019
الانتفاضة مستمرة (Getty)
+ الخط -
يعيش الطلاب وأساتذتهم أوضاعاً بالغة السوء إن لم تكن مزرية، وهو في جذر التحركات التي لم تترك جامعة أو معهد عالٍ إلا وكان له نصيب فيها. من يطلع على قائمة التحركات يلاحظ ظاهرة تتميز بالاتساع والشمول. هذا ليس دليلاً على تفاعل الطلبة العراقيين وأساتذتهم، بل الأصوب أنه تأكيد على عمق المشكلات التي نجمت عن مبدأ المحاصصة في الحكم الذي أرساه الحاكم العسكري الأميركي برايمر، منذ ظهور هذا التقاسم للسلطة على قاعدة طائفية، ورغم حصول الشيعة على الحصة الكبرى كونهم أكثرية سكان البلاد لم يجد هؤلاء أوضاعهم الحياتية أفضل من سواهم. تحول هذا النظام إلى منظومة فساد موصوف. ما "زاد في الطنبور نغمة" هو ترافق كل ذلك مع سلسلة من الحروب والصراعات المدارة خارجياً من الولايات المتحدة وإيران في المقام الأول باعتبارهما صاحبتي اليد الطولى. تكلل ذلك بتحويل واردات البلاد إلى الإنفاق العسكري أولاً للجيش النظامي، وثانياً معه لمليشيا الحشد الشعبي المدارة إيرانياً. وعليه، لم يتبق سوى النزر اليسير للمشاريع التي وردت في الخطة الثلاثية والتي لم يتجاوز ما نفذ منها ما بين الـ 5 في المائة و10 في المائة في سنواتها الثلاث الأولى، وبالتأكيد لن تكون السنوات الثلاث الحالية أفضل حالاً. ما يعني أن العراق يتعرض للنهب المثلث من جانب أميركا وإيران والطبقة الحاكمة التي تتبعهما. وفي مثل هذا الوضع بات قادة البلاد ومسؤولوها فوق القانون والمحاكمة وعودة المال المنهوب إلى خزينة الدولة.

وبالطبع يدفع قطاع التعليم الثمن، بعد أن كان العراق من أكثر الدول تقدماً على المستوى التعليمي، لكن ما حدث خلال السنوات المنصرمة منذ الاحتلال الاميركي عام 2003 ومقتل ما لا يقل عن ثلاثة آلاف أستاذ جامعي وخبير وطبيب ومن ينتمون إلى الكوادر العليا أفقد البلاد رصيداً طالما تفاخرت به، وقاد إلى معضلة. بالنسبة للطلاب باتت مشكلاتهم مستعصية على الحلول. لذا كان الشعار الذي يرفعه هؤلاء هو إبعاد وزارة التعليم العالي ووزارة التربية عن المحاصصة الطائفية، وتعيين ذوي الكفاءة والخبرة والنزاهة في مختلف مفاصل إدارة العملية التعليمية والتربوية للنهوض بواقع التعليم. أهمية هذا المطلب في التردي الذي وصلت إليه حال المؤسسات التعليمية بفعل اعتبار وزارتي التعليم العالي والتربية مجال توظيف عشوائي للأنصار والمحاسيب والأزلام ينالها كل من يثبت ولاؤه ويحرم منها من لا ينتمي إلى " الاوليغارشية – الأقلية المهيمنة "الحاكمة. تلح الحركة الطالبية أيضاً على ضرورة عقد مؤتمر وطني لمناقشة الأسباب التي أدت إلى التراجع الحاد في المنظومة التعليمية، وبناء إستراتيجية واضحة المعالم لإصلاح المؤسسات التعليمة والتربوية. كما يؤكد الحراك الطالبي على ضرورة احترام الدستور الذي يكفل للمواطنين، كل المواطنين وفي مقدمهم الطلاب حرية التعبير عن الرأي، وحق التظاهر والاحتجاج السلمي. أهمية هذا المطلب أنه يرفع سيف الترهيب عن الطلبة والأساتذة المنادين بالإصلاح والتعاطي مع مطالبهم بروح ديمقراطية. وأخيراً تؤكد قائمة المطالب على ضرورة دعم الطلبة من خلال صرف المنح المالية المقرة لهم، وخفض أجور الدراسات المسائية والأهلية.




ختاماً، الواضح أنه كان لاتحاد الطلبة العام وهو منظمة مستقلة تأسست عام 1948 دور في التظاهرات والفعاليات الطلابية المختلفة لصلته بغالبية مرافق التعليم في العراق، لكنه يحتاج إلى رؤية متجددة في قراءة تعقيدات الوضع العراقي بما يقود إلى تحقيق منجزات كبرى بديلاً عن تحقيق الفتات من المكاسب باعتبار أن أزمة القطاع أكبر وأعمق.

*باحث وأكاديمي
المساهمون