مدارس تركية محتملة في ألمانيا وسط مخاوف من المسّ بالقيم

19 يناير 2020
خشية من "تعليم مواز" (ميشيل تانتوسي/ Getty)
+ الخط -

قبل 152 عاماً، تأسست المدرسة الألمانية في مدينة إسطنبول التركية، لتتبعها مدرستان أخريان في أنقرة وإزمير. واليوم، تحاول تركيا فتح ثلاث مدارس لها في ألمانيا وسط أخذ وردّ.


تجري الحكومة التركية مفاوضات مع نظريتها الألمانية حول اتفاقية تمكّن تركيا من إنشاء مدارس في ألمانيا، في حين أنّ مدارس ألمانية ثلاث فتحت قبل أعوام أبوابها على الأراضي التركية. ما زالت الاجتماعات بين الطرفَين تناقش الإطار القانوني، غير أنّ المسألة أثارت مخاوف كثيرة وانتقادات مختلفة في ألمانيا لأسباب مختلفة، منها ما هو اجتماعي، فيما ثمّة أحزاب تشير إلى تبعات قانونية وسياسية.

تذكر تقارير إعلامية نقلاً عن وزارة الخارجية الألمانية أنّ الاتفاقية موضوع الجدال تهدف إلى إنشاء ثلاث مدارس تركية في كلّ من برلين وفرانكفورت وكولن، حيث يستقرّ آلاف من أبناء الجالية التركية. وبحسب ما جاء في صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية أخيراً، فإنّ المفاوضات بدأت في صيف عام 2019 المنصرم، على خلفية إغلاق مؤقّت للمدرسة الألمانية في مدينة إزمير من قبل السلطات التركية. وقد برّرت وزارة التعليم التركية ذلك بأنّ المدرسة الألمانية تفتقر إلى الأساس القانوني، علماً أنّ المباحثات يشارك فيها بالإضافة إلى وزارتَي خارجية الدولتَين حكومات الولايات المعنيّة ومؤتمر وزراء التعليم الألمان الذي أشار، وفق ما ذكرت صحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية، إلى عدم وجوب إدارة المدارس الخاصة من قبل دول أخرى بشكل مباشر، ووفق ذلك يتعيّن على تركيا اللجوء إلى جهة راعية. يُذكر أنّ ثمّة اتفاقيات تعليمية ما بين الدولة الألمانية وأكثر من 20 دولة أخرى.

وتفيد معلومات بأنّ المدارس التركية تهدف إلى العمل تحت مسمّى "مدارس بديلة"، وهو المصطلح المستخدم للإشارة إلى المدارس الخاصة التي يُسمح لها باختيار وسائل التعليم وتعيين الموظفين لكنّها ملزمة بتدريس المضمون التعليمي كما المدارس العامة في ألمانيا، علماً أنّ الأمر يتطلب تصريحاً رسمياً من الدولة أوّلاً مع الخضوع إلى قوانين الولاية حيث تُنشأ. وهذا ما عدّته وزارة الخارجية الألمانية النموذج القانوني المناسب لمواجهة المخاوف من التأثير المحتمل للمدارس التركية التي من المقرّر إنشاؤها على التلاميذ المولودين في تركيا والأتراك في ألمانيا. وفي هذا الإطار، أشارت إذاعة "دويتشلاند فونك" الألمانية إلى ضرورة عدم إبرام اتفاق تعليمي مع تركيا يسمح لها بالتلاعب بالتلاميذ في ألمانيا عقائدياً.



بالتزامن مع المفاوضات الجارية، حذّر عدد من الأحزاب الألمانية من إنشاء مدارس تركية في البلاد مخافة أن تكون أماكن دعاية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خصوصاً أنّ تركيا تطالب بتشريع المدارس التركية بالطريقة نفسها التي تُدار فيها المدارس الألمانية على أراضيها، مع مدرّسين ألمان ووفقاً للمنهاج الألماني. وهو ما يعني أنّ في إمكان الحكومة التركية مستقبلاً الطلب من المدارس التركية في ألمانيا اعتماد معايير نظام التعليم التركي. ويعبّر هنا حزب الاتحاد المسيحي عن خشيته من الدخول في نظام المدارس الموازية في البلاد.

ومن الأحزاب المعترضة كذلك على إنشاء مدارس تركية في ألمانيا الحزب الديمقراطي الحر، الذي طالب رئيس لجنة حقوق الإنسان فيه بيتر هايدت وزارة الخارجية الألمانية بضمان عدم تحوّل المدارس التركية في ألمانيا إلى "بوابة لأيديولوجيات أردوغان"، وفق ما صرّح لصحيفة "زود دويتشه تسايتونغ". وشدّد على ضرورة "عدم تدريس أيّ شيء في المدارس التركية في ألمانيا يتعارض مع مصالحنا وقيمنا الليبرالية". وهذا ما أكّده من جهته وزير الخارجية هايكو ماس في حديث إلى محطة "إن تي في" الإخبارية، مضيفاً أنّه "لا بدّ من إشراف مفتشية المدارس على تلك المدارس. عندها، في الإمكان التحاور مع تركيا بشأن ذلك بشكل بنّاء". من جهتها، شككت السياسية في حزب اليسار سيفيم داغديلين في خطط تركيا، موضحة أنّ ثمّة حاجة إلى مزيد من اليقظة، في إشارة الى خشية من "نيّة ربط أحفاد العمّال الضيوف" ببلدهم الأم، مع زيادة تأثّر الأطفال الأتراك في الخارج بروح الدولة التركية القومية الدينية.

في السياق، دعا الرئيس الاتحادي لجمعيات الجالية التركية في ألمانيا غوكاي سوفوغلو في حديث إلى إذاعة "دويتشلاند فونك"، إلى مزيد من الصفاء والهدوء في النقاش الدائر حول المدارس التركية المخطط إنشاؤها في البلاد، لافتاً إلى عشرات المدارس الروسية في ألمانيا على سبيل المثال وأخرى يُقال إنّ جمعياتها الراعية قريبة من حركة الداعية التركي فتح الله غولن. وشدّد سوفوغلو على أهمية استقلال المدارس سياسياً وأيديولوجياً، مطالباً السلطات الألمانية في الولايات بالإشراف على المناهج واعتماد نموذج قانوني يمنع التدخّل السياسي. وأشار إلى ضرورة إدخال مزيد من الدروس التركية إلى المدارس الألمانية، كلغة ثانية أجنبية على سبيل المثال، إذ إنّ اللغة التركية تُعَدّ ثاني أكثر لغة انتشاراً في ألمانيا. تجدر الإشارة إلى أنّ الرئيس الاتحادي لجمعيات التعليم والتربية في ألمانيا أودو بيكمان حذّر من ردود الفعل المبالغ فيها.



أمّا صحيفة "دي فيلت" الألمانية، فرأت أنّه من السابق لأوانه الاستناد إلى سياسة أردوغان لعدم إنشاء مدارس تركية في ألمانيا. بالنسبة إليها، فإنّ قوّة هذا البلد هي في المجتمع المفتوح، والخوف من نفوذ الدولة التركية ما هو إلى دليل على انعدام الثقة ونقص في السيادة. أضافت "دي فيلت" أنّه في حال حظرت ألمانيا المدارس التركية في البلاد، فيجب على المدارس الألمانية الثلاث في تركيا أن تغلق أبوابها، إذ إنّها تنشر القيم الألمانية.
دلالات