لا مهرب من دفع "المقسوم" في العراق

10 يناير 2015
يلجأ بعض العراقيين إلى الوسطاء لإنجاز معاملاتهم(صفاء حاتم مطلب)
+ الخط -

منذ نحو أربعة أشهر، يحاول وليد (41 عاماً) إتمام معاملة نقل ملكية البيت الذي اشتراه وتسجيله باسمه. بعد "رحلة طويلة" بين دوائر الدولة المختلفة للحصول على الأختام والتواقيع وشهادة الخبير القانوني وغيرها من الأمور، وجد نفسه مضطراً إلى "دفع المقسوم"، علماً أنه كان قد رفض ذلك. يقول لـ "العربي الجديد": "اشتريت بيتاً من أحد الأصدقاء في غرب بغداد. بدأت إنجاز معاملة نقل ملكيته. قصدت دائرة التسجيل العقاري، لتنطلق رحلة المتاعب. في كل يوم، يطلب مني أحد الموظفين ورقة جديدة تتعلق بالضريبة أو البلدية وغير ذلك". يضيف: "أنا على هذه الحال منذ أربعة أشهر، ولم ينته الأمر بعد بسبب الروتين الإداري القاتل".

يلفت وليد إلى أن أحد الأصدقاء نصحني باللجوء إلى وسيط (يعمل على تخليص المعاملات) في مقابل دفع مبلغ مالي لا يتجاوز ألف دولار. لكنني كنت مصرّاً على إتمام المعاملة بنفسي، وخصوصاً أنني لا أرغب في خسارة هذا المبلغ".

أما فاضل، وهو صاحب محل للألعاب، فيؤكد لـ "العربي الجديد": "قصدت مديرية المرور العامة من أجل إصدار لوحة رقمية لسيارتي الجديدة. وبسبب معرفتي المسبقة بالروتين الذي عادة ما تتبعه دوائر المرور، توجهت مباشرة إلى أحد الذين يقفون عند باب المديرية للانتهاء من المعاملة في وقت قصير في مقابل 1500 دولار". يضيف: "كنت أرى المواطنين يقفون في طوابير. لم أكد مستعداً للانتظار طويلاً وتضييع الوقت. لذلك، أنجزت كل شيء من خلال الوسطاء. يكفي أن أقول العبارة السحرية: أريد دفع المقسوم. هي كافية لجذب الوسطاء، لينتهي كل شيء خلال ساعات أو أيام على الأكثر".

من جهته، يقول موظف في إحدى الإدارات الخدماتية في بغداد، الذي رفض الكشف عن اسمه، إن "بعض الموظفين يتعمدون وضع العراقيل أمام المواطنين، فيضطرون إلى البحث عن خيارات أخرى كدفع الرشى أو الاستعانة بأحد مروجي المعاملات، الذي يكون على صلة بالموظّف". يلفت إلى أن "هذا الأمر يتعلق ببعض الموظفين. فيما يحاول آخرون إنجاز معاملات المراجعين بأسرع وقت ممكن ومن دون مقابل. لكن في كثير من الأحيان، فإن قلة عدد الموظفين وضعف الرقابة والأجهزة الإلكترونية قد يحول دون ذلك".

في المقابل، يقول نائب رئيس الجمعية الاستهلاكية لموظفي الدولة (منظمة غير حكومية تعنى بحقوق الموظفين) منير خلدون فيبين لـ "العربي الجديد"، إن "الفساد المالي والإداري بدأ منذ التسعينيات، أي بعد حصار العراق. راتب الموظف لم يعد كافياً، ما دفع كثيرين إلى سلك طرق ملتوية وغير قانونية لإعانة عائلاتهم".

وفي إطار العمل على الحد من هذه الظاهرة، يلفت رئيس لجنة النزاهة البرلمانية طلال خضير الزوبعي لـ "العربي الجديد" إلى "تفعيل مشروع الحكومة الإلكترونية الذي أطلق منذ عام 2012"، منتقداً دوائر الدولة في الوقت نفسه. يؤكد أن المواطن "يبدأ مشواره في الدوائر حاملاً ورقة واحدة، هي الطلب. وفي النهاية، تراه يحمل ملفات عدة مليئة بالأوراق والكتب الرسمية المختومة تحتم عليه زيارة دوائر عدة، ما يدفع الزبون إلى دفع الرشى".

وتشير وزارة التخطيط إلى أن مشروع الحكومة الإلكترونية يعد من المشاريع المهمة في الحكومة العراقية. في السياق، يقول المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي لـ "العربي الجديد" إنه "سيتم تنفيذ المشروع على مرحلتين: تتمثل الأولى في أن تنجز وزارات الدولة مجتمعة حكومتها الإلكترونية، أي ربط مؤسساتها ودوائرها بكابينة إلكترونية واحدة، على أن نبدأ في المرحلة الثانية بربط الوزارات بشبكة واحدة".

يضيف الهنداوي أن "المرحلة الأولى ما زالت غير مكتملة، علماً أن الوزارات قطعت شوطاً لا بأس به في هذا المجال. وبعد إتمامها، سيتم الانتقال للمرحلة الثانية". وعن أسباب التأخير، يشرح أن الأمر مرتبط "بضعف المخصصات المالية وعدم الاستقرار الأمني، فضلاً عن عدم وجود كوادر مناسبة وذات كفاءة للعمل". يتابع أن تنفيذ المشروع سياسهم في القضاء على الفساد المالي والإداري وإنجاز معاملات المواطنين بشكل سريع ومن دون عناء.

في السياق، يرى بعض المواطنين أنه "في حال أرادت الحكومة العراقية ووزاراتها أن تتحمل مسؤولياتها حيال أبناء شعبها، عليها البدء من الصفر، وإدخال الموظفين في دورات تأهيلية لكيفية التعامل مع الآخرين، بالإضافة إلى إطلاق حملات منظمة بهدف الحد من الروتين في المؤسسات الرسمية. إذ لا يمكن بناء دولة مؤسسات حقيقية من دون القضاء على هذا الروتين الإداري".
دلالات