بعد جهود حثيثة بذلها حقوقيون ومدافعون عن حقوق الإنسان في المغرب، أقرّ قانون خاص ينصّ على تجريم الاتّجار بالبشر وينزل عقوبات مختلفة ومشدّدة على مرتكبي هذا النوع من الجرائم في البلاد وخارجها.
يمكن القول إنّ الحركة الحقوقية في المغرب تنفّست أخيراً الصعداء، بعد مصادقة البرلمان بغرفتَيه، مجلس النواب ومجلس المستشارين، على قانون خاص يجرّم ظاهرة الاتّجار بالبشر، كانت قد تقدّمت به الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين في الخارج وشؤون الهجرة. وقد نصّ القانون على عقوبات مشددة في حقّ المتورطين في جرائم الاتجار بالبشر.
أبدت جمعيات حقوقية عدّة ارتياحها إزاء التشديد الجنائي ضدّ مقترفي جرائم الاتّجار بالبشر، سواء أكان ذلك إرغاماً على ممارسة الدعارة أو التسوّل أو العمل في مهن مشبوهة داخل البلاد وخارجها. لكنّها في المقابل طرحت أسئلة حول تطبيق مثل هذه القوانين على أرض الواقع، وحول التحديات في وجه إنزال أمثل للعقوبات.
ويمنع القانون المغربي الجديد كلّ أشكال الاتّجار بالبشر، ويحظر أيضاً التمييز تجاه الأشخاص ضحايا الاتجار بالبشر، مشدداً على ضرورة حماية الفئات الضعيفة والهشّة، خصوصاً الأطفال والنساء. وتلك الفئات هي الأكثر استهدافاً لعرضها وكرامتها.
اتّسمت عقوبات المتورطين في جرائم الاتّجار بالبشر، التي نصّ عليها القانون الجديد، بكثير من الحزم والصرامة حيال المتاجرين بفئة القاصرين ذكوراً وإناثاً، وفق ما يشير ناشطون حقوقيون مغاربة. وقد وصلت العقوبات السجنية إلى 30 عاماً، فيما الغرامة المالية ضخمة تصل إلى مليونَي درهم مغربي (نحو 207 آلاف دولار أميركي). وفي حال ارتكب تعذيب أو أعمال وحشية، فقد تصل العقوبة إلى حد السجن المؤبّد.
عرّف القانون المذكور جرائم الاتجار بالبشر الخاضعة لعقوبات سجنية مشدّدة، بأنّها "كلّ الأفعال الجرمية التي تطال كرامة الإنسان، متضمنة استغلال الأوضاع الاجتماعية للناس، وتعريضهم للعمل في مجال الدعارة، أو الاستغلال عن طريق المواد الإباحية، أو العمل الجبري، أو السخرة، أو التسوّل، أو الاسترقاق، أو الممارسات الشبيهة بالرق".
ويقول مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبد الإله الخضري، إنّ "القانون المتعلق بتجريم الاتجار بالبشر جاء تتويجاً لجهود جبّارة قادتها الحركة الحقوقية المغربية، في ظل تنامي ظاهرة استغلال النساء والأطفال في الدعارة والسخرة، واستغلال ظروف الهشاشة التي تعيشها شرائح واسعة من المواطنين، خصوصاً في المناطق النائية". يضيف الخضري لـ "العربي الجديد" أنّ هذا "يندرج في سياق تنزيل مقتضيات الدستور المغربي الجديد، وانسجاماً مع التزامات المغرب الدولية، لا سيما التزامه بمقتضيات بروتوكول منع الاتجار بالأشخاص، خصوصاً النساء والأطفال، المكمّل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية".
ويتابع الخضري أنّ "ثمّة سؤالاً يتمحور حول مدى نجاعة القانون في تفعيله على أرض الواقع، لأنّ المغرب يعاني من مشكلتَين. هو مصدر أساسي لتجارة النساء وحتى الأطفال، وفي الوقت نفسه بات معبراً دولياً لشبكات الاتجار في البشر، خصوصاً النساء والأطفال الآتين من دول أفريقية، ليُضاف إليهم اليوم اللاجئون السوريون".
ويشير الخضري إلى أنّ "الأسوأ هو معاناة المغرب من الاتّجار المحلي بالبشر"، موضحاً أنّ "جزءاً من المشاريع السياحية المغربية التي يتمتع مالكوها بنفوذ واسع يؤمن لهم الحماية القانونية، بُنِيَ على استغلال قاصرات ونساء في مقتبل العمر وأطفال صغار، وقعوا ضحايا الهشاشة الاجتماعية بسبب الفقر والعنف والتشرد". ويسأل: "إن كان القانون يستطيع وضع حد لبارونات الاتجار بالبشر، من قبيل أصحاب بعض الفنادق والمشاريع السياحية المخصصة لذلك، إلى جانب سماسرتهم المنتشرين في البلاد، هل يستطيع الوصول إلى مكاتب التشغيل المحلية والدولية التي تدّعي توفير اليد العاملة المنزلية خارج المغرب أو فرص العمل في صالونات التجميل والتدليك وغيرها، بينما هي واجهات لحمل النساء وحتى الأطفال على ممارسة الدعارة في دول خليجية وأوروبية".
ويشرح الخضري أنّ "مشروع القانون 27.14 يأتي نقلة نوعية في السياسة الجنائية المرتبطة بمحاربة الاتّجار بالبشر، سواء لجهة التوصيف الموسّع والمحدد لحالات الاتجار، أو لجهة العقوبات المشددة على مقترفيها. فالمغرب لم يسبق له أن اتخذ أيّ إجراء تشريعي للحدّ من الاتّجار بالبشر".
ويبقى التحدي الأكبر بحسب الخضري والمركز المغربي لحقوق الإنسان، في "مدى نجاعة القانون وفعاليته، من أجل تخفيض مرتبة المغرب عالمياً على سلم جرائم الاتجار بالبشر. والأهمّ من ذلك، قدرة القانون على مواكبة سياسة تنموية ديمقراطية قادرة على مساعدة النساء والأطفال في وضعية الهشاشة، من أجل حمايتهم من العنف والتشرد والاستغلال، ومن أجل توفير فرص ضمان لقمة عيشهم بكرامة".