وادي سوف... أسطورة زراعية في صحراء الجزائر

04 ابريل 2018
في وادي سوف (العربي الجديد)
+ الخط -

منطقة وادي سوف الصحراوية في الجزائر تحوّلت إلى أسطورة، بعدما باتت أرضاً زراعية تصدّر منتجاتها إلى الخارج، ويتحدث بعضهم عن تحويلها إلى جنّة خضراء على غرار مدن أخرى.

لا تغطّي المساحة الترابية من إجمالي مساحة الجزائر المقدّرة بمليونين و382 ألف كيلومتر مربع إلّا 11 في المائة، وما سواها صحراء رملية وصخرية تمتدّ إلى دولتي مالي والنيجر جنوباً. ورسخ في الأذهان على مدار عقود أنّها لا تعطي إلا التمور والنفط وبعض الفرص السياحية، وتستورد مدنها التي تضمّ 13 في المائة من إجمالي عدد سكّان الجزائر البالغ واحداً وأربعين مليوناً، حاجاتها الغذائية من مناطق الشمال، وتصل نسبة التساقط السنوي في بعض المدن إلى 1800 ملمتر.

تشتهر كلّ مدينة صحراوية جزائرية بتسمية معيّنة انبثقت من إحدى خصائصها الاجتماعية أو التاريخية أو الجغرافية. فمدينة أدرار عرفت بـ "المدينة الحمراء"، لأن معظم بناءاتها من الطوب الأحمر، على غرار مدينة مراكش في المغرب. وعُرفت مدينة تمنراست بـ "عاصمة الأهقّار" نسبة إلى الجبال التي تحمل الاسم نفسه، ومدينة بسكرة بـ "عاصمة الزيبان" نسبة إلى زاب المياه والنخيل. وعرفت مدينة وادي سوف (630 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من الجزائر العاصمة)، بتسميتين هما مدينة ألف قبّة وقبّة ومدينة الرمال الذهبية.

سبب التسمية الأولى لوادي سوف، التي قال ابن خلدون إنّ أصل تسميتها يعود إلى قبيلة مسيفة الطوارقية، "التي سكنتها وفعلت فيها أمراً"، يعود إلى ميل سكّان المنطقة تاريخياً إلى وضع قباب فوق كلّ بيت ترطيباً للجوّ، فيما يعود سبب التسمية الثانية إلى جودة الرمل ولمعانه في "الغرد" أي الكثبان وجمعه باللهجة المحلية "غرود".

ظلّت وادي سوف، مثل مدن الجنوب الجزائري، تعتمد على مدن الشمال في الخضراوات والفاكهة والحبوب المختلفة، فهي لا تصدّر إلا بعض أنواع التمر، أشهرها "المنقّر"، حتى السنوات العشر الأخيرة، وقد بدأ بعض المستثمرين يتحدّثون عن طموح تحويلها إلى جنّة خضراء تنافس أعرق المدن الزراعية في الشمال. طموح قابله قطاع واسع من الجزائريين، بمن فيهم بعض سكّان المنطقة، التي عيّنت ولاية/ محافظة عام 1984، ببعض التشكيك والسخرية.


يقول الكاتب والإعلامي في الإذاعة المحلية للمدينة إسماعيل غربي، لـ "العربي الجديد": "الجزائريون تعوّدوا على مدار عقود من الزمن على حكم جاهز وهو أنّ الصّحراء لا تمنح إلا النفط والتمر". يضيف أن هذا الحكم "كرّسه، في الحقيقة، فشل الحكومات المتعاقبة في توسيع المجال الزراعي إلى مختلف مناطق البلاد، التي تعدّ أكبر دولة أفريقية وعربية من حيث المساحة، لذلك استبعدوا أن تتحوّل وادي سوف إلى قطب زراعي".

من هذه المعايير المقلوبة، بحسب إسماعيل غربي، أنّ الشاحنات التي كانت تأتي من الشمال إلى وادي سوف محمّلة بالخضراوات والفاكهة والحبوب وزيت الزيتون، باتت تنطلق من وادي سوف إلى الشمال نفسه، محمّلة بالسلع نفسها. كما أن الأشجار التي كانت حكراً على المناخ المتوسّطي في الشمال، مثل البرتقال والزيتون والليمون والتفاح، باتت تجاور النخلة في البقعة نفسها. يتعمّق في قراءة المشهد أكثر قائلاً: "الطفل الذي كبر في صحراء وادي سوف يعرف هذه الأشجار سماعاً أو في الأشرطة الوثائقية، وبات يقطف ثمارها مباشرة بيديه أو يلتقط لها صوراً بنفسه".

في المقابل، يذكر الناشط عبد الحميد براهيمي في حديث لـ "ألترا صوت"، بعض الأنماط السلوكية الناتجة عن الواقع الاقتصادي الجديد للمنطقة. يقول: "عادت الزراعة في وادي سوف على سكّانها برفاه ملحوظ. فقطاع واسع منهم إمّا بات صاحب مستثمرة زراعية وإمّا عاملاً فيها بأجر محترم، وقد أدى هذا المعطى إلى انتعاش التجارات الاستهلاكية غير المدروسة، ممّا أعطاها سلطة في تغيير الهوية المحلية". ويشرح: "كان الإنسان السوفي معروفاً بلباس القندورة، وهي جبّة متكيّفة مع جفاف المنطقة وحرارتها، فبات لا يفعل ذلك إلا خلال نهاية الأسبوع لمصلحة اللباس العصري. كما بدأت ألاحظ تراجع المطاعم التقليدية، التي تقدّم الأطباق الموروثة مثل الكسكسي والدوبارة، لمصلحة أطباق قادمة من الخارج".



يضيف عبد الحميد براهيمي: "هذا تحوّل جميل، شرط أن يكون مؤطّراً بوعي ثقافي جماعي يجعله في إطار الثراء والاختلاف لا في إطار الهيمنة والابتلاع". ويسأل: "إذا كان هذا دور النخبة والمؤسّسات الثقافية والجامعية في المنطقة، فما معنى أن تنتعش سلطة الفلّاح وتضمر سلطة المثقّف؟".

وفي ظل غياب رؤية ثقافية لهذه الطفرة الزراعية في منطقة وادي سوف، يقول الناشط حسين بوقرن على "فيسبوك": "هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية. أخيراً، الجزائر تُصدّر إلى الخارج. البطاطس السوفية تنافس البطاطس الأميركية في السوق القطرية". ويدعو إلى حماية هذا المكسب من الأمراض الاجتماعية المتفشية، مثل الغشّ والمضاربة وتعدّد الوسطاء. "عندما يروّج الإعلام أنّ بطاطس وادي سوف ستصدّر إلى الخليج وأوروبا، علينا أن نسأل: من يصدّرها وكيف؟ الفلاحة والفلاحون في وادي سوف وبسكرة وغيرها من المدن في حاجة إلى حماية من بارونات التصدير وسيطرة الوسطاء. وهذه قضية يصعب على غالبية الفلّاحين العاديين استيعابها".

وتُفيد تقارير الحكومة، التي كانت سخيّة في توزيع الأراضي على الفلاحين وتسهيل الحصول على قروض في إطار سياستها للدعم الفلاحي، بأنّ وادي سوف باتت قطباً زراعياً يصدّر منتجاته، مثل البطاطس وزيت الزيتون والفول السوداني والبطّيخ الأحمر، إلى العديد من الدول، مثل قطر وإسبانيا. وفي جولة لـ "العربي الجديد" في المستثمرات الفلاحية المحيطة بالمدينة، التي تبدو من الجوّ بساطاً أخضر مهندساً وفق أشكال مغرية، وقفنا على الحسّ الإبداعي للفلّاحين. "الزراعة هنا للجمال وليست للمال فقط".

كانت هذه مقولة العمّ صالح، الذي قال إنّه تقاعد من قطاع التعليم وتفرّغ للاستثمار الفلاحي. "انتقلت من زراعة العقول إلى زراعة الحقول". هنا، يلفت الانتباه إلى معطى مهمّ في هذا الموضوع، وهو أن الزراعة في وادي سوف تحوّلت من مزاج لدى نخبة من السكان أو المستثمرين الأجانب إلى رهان، "والدليل أن معظم المتقاعدين من الكهول والشباب العاطلين من العمل والمستثمرين من أصحاب رؤوس الأموال يتوجّهون إليها".


يضيف العم صالح: "المعروف أنّ وادي سوف تتميّز بظروف مناخية صعبة وجافّة، وتقع في بيئة صحراوية قاحلة، إلّا أنّ الفلاح السوفي تسلّح بإرادة حديدية وواجه الطبيعة بالصدر العاري وبإمكانات ضعيفة في بداية الأمر، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى أن يطلبوا من زوجاتهم بيع حليهنّ لتمويل شراء تجهيزات الفلاحة ونقل الكهرباء لأماكن بعيدة وتسوية الأرض". يضيف: "ما يحدث في وادي سوف زراعياً يشبه أسطورة في الصحراء".