تونس: "السجين 6366" بريء محكوم بالإعدام

16 مايو 2015
ماهر سجن 13 عاماً ظلماً، وما زال قيد الاحتجاز
+ الخط -

ما زال السجين التونسي (رقم 6366) ماهر المنّاعي، المحكوم بالإعدام بعد اتهامه بقتل شاب، يعاني مرارة السجن، بعد 13 عاما من السجن ظلما، بعد أن اكتشف بالصدفة، الجاني الحقيقي في الجريمة التي أدين فيها.

لطالما اعتقدت عائلة ماهر أنه أعدم شنقا وتقبلت فيه العزاء، حتى أصبح فجأة حديث الشارع التونسي، لا لكونه متهما بارتكاب جريمة قتل بشعة، بل لأن براءته ظهرت في نفس الزنزانة التي يقضي فيها عقوبته بالسجن.

يقول والده ساسي المنّاعي لـ"العربي الجديد": "لدي 4 أولاد وبنت، ونظرا لظروف العائلة الصعبة، فقد اختار ماهر عام 2002 التوجه إلى محافظة صفاقس للعمل، لكن شاءت الصدف أن يُقتل شاب يدعى أيمن يبلغ من العمر 16 عاما، بعد أن حاول أحد الشبان سرقة دراجته النارية، ولسبب ما اتهمت والدة القتيل ابني ماهر للاشتباه فيه".

ويواصل الأب الملتاع سرد تفاصيل قصة ابنه، يستجمع الذكريات ويلملم شتات ذاكرة متعبة أنهكها حجم المصاب، وأضاف بعبارات متقطعة: "لقد عشنا ظرفا صعبا، فوالدته دخلت في حالة صدمة، وأنا مرضت، وانقطع شقيقه الأصغر عن الدراسة، بعد أن ضاق ذرعا بنظرات المحيطين بنا ومن عبارات "شقيقك قاتل روح". 

وأكدّ الحاج ساسي أنّ قاموس "القتل" لم يكن مألوفا لديهم، فهم من عائلة بسيطة محافظة، مبينا أن الحكم على ابنه بالإعدام شكّل صدمة قاسية على العائلة، التي لم تتمكن خلال حكم النظام السابق من رؤية ابنها أو السؤال عنه؛ وهو حال أغلب المحكومين بالإعدام، فاعتقدت العائلة أن ابنها أعدم شنقا.

وأقيم العزاء في بيت ماهر، وذرفت أمه الدموع معتقدة أنّها فقدت فلذة كبدها إلى الأبد، لكن بعد اندلاع ثورة 14 يناير 2011، عاد بصيص من الأمل إلى العائلة، بعد أن أعلمهم شخص أنه شاهد ماهر في سجن المرناقية بالعاصمة تونس، وأن ابنهم حي يرزق.

يقول الأب: "بمجرّد سماعنا للخبر، انتقلت إلى العاصمة، لم أكن أصدّق أنّ ابني لا يزال على قيد الحياة، بدا لي شاحبا، لم أعرفه لأنه فقد الكثير من الوزن، تحسسته بيدين مرتعشتين.. لقد كان فعلا ابني ماهر".

وأضاف أن ماهر كان يبكي ويصرخ أنه بريء ولم يقتل أحدا، وأخبره أنه كتب لهم عدة رسائل ليخبرهم أنه لم يقترف أي جريمة، وأنه مظلوم.

البراءة.. صدفة

وأشار الحاج ساسي إلى أنه بعد مضي عدة أعوام.. تم نقل مجموعة من الموقوفين من سجن صفاقس إلى سجن المرناقية، وبينهم أحد الشبان الذي يقضي عقوبة بـ 3 أشهر سجنا في قضية ترويج واستهلاك المخدرات. 

وبدأ ماهر يفقد الأمل في إقناع عائلته والمحيطين به في الزنزانة ببراءته، حتى عائلته ساورتها الشكوك واستسلموا للقدر.

وذات ليلة سمع ماهر السجين الجديد يروي لبقية المساجين كيف أنه دخل إلى السجن في قضية مخدرات، في حين أنه قتل شابا وأنه تم اتهام شخص بريء من محافظة الكاف، كلمات نزلت كالصاعقة على ماهر الذي راح يسأل كالمجنون عن تفاصيل القضية، فكانت مطابقة تماما لتفاصيل تهمته، تعالى صوته أنه بريء، وصرخ مناديا الحراس فنشب شجار كبير بينه وبين الموقوف. 

وأكدّ الحاج ساسي أن مدير السجن أذن بفتح بحث في القضية، واعترف الشاب بعملية القتل، وطالبت العائلة بإعادة النظر في القضية، لكن للأسف ماهر لم يغادر بعد الزنزانة في انتظار استكمال البحث والتحقيق.

وأوضح والد ماهر أنه باع منزله وأثاثه لتدبر مصاريف المحامين ولإظهار حق ابنه، وقال إنه يعيش الآن في بيت متواضع، ومع ذلك لا شيء سيعوقهم عن الكشف عن براءة ابنهم.

وبيّن ساسي أن ماهر يمر بوضع نفسي وصحي صعب، خاصة بعد معرفة القاتل الحقيقي، فمن يومها تضاعفت مشاكله النفسية وتوّترت أعصابه أكثر، لأنه لم يفهم بعد سرّ هذا البطء في الإجراءات، ولماذا يقبع في السجن.

لطالما أكد السجين رقم 6366 أن براءته لم تظهر في عهد الرئيس السابق، ولم تظهر بعد الثورة، فهو إلى اليوم يقضي عقوبة جريمة لم يقترفها.

وما يزيد معاناة ماهر أن الظروف المعيشية الصعبة للأسرة، تحول دون انتقال العائلة باستمرار إلى سجن المرناقية لزيارته، وجلب "القفة" التي تحتوي مأكولات والدته التي حرم منها طيلة 13 عاما، وكأنّ القدر تحالف مع الزمن ليزيد معاناته.

يوضح الأب أن عليه قطع عشرات الكيلومترات للانتقال من محافظة نبر وصولا إلى العاصمة لرؤية ابنه السجين البريء، وفي كل زيارة يحاول مواساته وحثّه على التحلّي بالصبر.

لكن في قرارة نفسه يشعر بضعف كبير يختصره في العبارة التالية: "تعبنا كثيرا، فماهر سجين ونحن أموات".