يقترب العراقيون من عامهم الثالث منذ إعلان بغداد انتهاء المعارك مع تنظيم "داعش"، وتحرير كافة أراضي البلاد من سيطرته، إلا أن ملف النازحين ما زال حاضرا، والمخيمات المترامية الأطراف في غرب وشمالي البلاد، لا تزال مزدحمة بهم.
وبحسب تقارير أممية وأخرى صادرة عن لجان في البرلمان العراقي، هناك ما يقارب 1.8 مليون نازح عراقي لم يعودوا إلى منازلهم، لأسباب كثيرة، منها سيطرة المليشيات على ما يقارب 16 مدينة وبلدة ورفض عودتهم تحت حجج وذرائع مختلفة مثل جرف الصخر والعويسات ويثرب وبيجي وربيعة والقراغول ومناطق أخرى. وهناك الدمار الواسع في بعض المناطق والمدن المحررة التي تحوّل بعضها إلى أطلال، عدا عن مشاكل قبلية وعشائرية تنتظر آلاف النازحين في حال عودتهم بسبب انتماء أحد أبنائهم لتنظيم "داعش" وما يترتب عليه من ثارات وفرض ديات.
وأخيرا، باشرت الحكومة العراقية، بدعم من البرلمان، عمليات إعادة جماعية لمئات الأسر إلى مدنهم، وإغلاق معسكرات النزوح، في الوقت الذي يتم فيه دمج كل مخيمين أو ثلاثة في مخيم واحد، ما خلق الكثير من المشاكل وإطلاق سيل من الاتهامات والتشكيك في عمليات إعادة النازحين التي اعتبرت قسرية، وسط تقارير تؤكد تعرّض كثير من سكان المخيمات لانتهاكات واسعة يتورط فيها عناصر من الأمن والجيش والمليشيات.
وشهدت الأيام الماضية عمليات إعادة واسعة لسكان مخيم قرب الموصل، رافق تشكيك في النوايا بين كونها لغايات انتخابية أو لمنع فرض أمر واقع تقوده مشاريع تغيير ديموغرافية في العراق، بالإشارة إلى مليشيات وقوى مرتبطة بإيران.
ويؤكد محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، لـ"العربي الجديد"، أن "مشكلة النازحين في العراق تنقسم اليوم إلى قسمين، الأول هو منع عودتهم إلى مناطقهم بسبب سيطرة بعض الجهات العسكرية عليها، خصوصا أن بعض فصائل الحشد تمنع عودتهم، في المقابل هناك عوائل ترفض العودة لأنها لا تجد الحماية في مناطقها".
وبيّن النجيفي أن "القسم الثاني يتمثل في عوائل يتهم بعض أفرادها بالانتماء إلى تنظيم داعش، وهذه المشكلة الأكبر لدى النازحين، فلا توجد أي برامج حتى الساعة بخصوص كيفية التعامل مع تلك المشكلة أو لإعادة تأهيل تلك العوائل في المجتمع العراقي". وأضاف "أحيانا تتعرض تلك العوائل للإقصاء بسبب الأعراف العشائرية، وللطرد من مكان إلى آخر، ويعيشون في المخيمات في ظروف سيئة جدا ومستقبل غامض، ولا يجدون الرعاية ولا يخضعون لبرامج إعادة التأهيل، وجميع هذه المشاكل لا حلول لها لدى الجهات الحكومية المختصة".
وأكد أن "هناك فسادا يمنع تحسين وضع النازحين في المخيمات، فوضع النازحين مأساوي جدا، كما أن غياب القانون والرقابة على المخيمات يزيد القسوة على تلك العوائل". وأوضح أن "الوضع المأساوي للنازحين ليس على المستوى المادي فقط، بل حتى من الناحية الإنسانية، فلا توجد طرق إنسانية للتعامل مع الأرامل والنساء والأطفال، ما يجعل من تلك المخيمات بؤراً خطرة في المستقبل على المنطقة".
أهداف انتخابية
من جانبه، اتهم المتحدث باسم العشائر العربية في محافظة نينوى، مزاحم الحويت، رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، بالوقوف خلف عملية العودة القسرية للنازحين، لـ"أهداف انتخابية".
وقال الحويت، لـ"العربي الجديد"، إن "ما جرى من نقل للنازحين من بعض المخيمات في نينوى، تم بشكل قسري، والهدف انتخابي"، متهماً الحلبوسي بالوقوف "خلف قرار إعادة النازحين في هذا التوقيت، والهدف من ذلك كسب الأصوات إلى قائمته والكتل المتحالفة معه، ونحن لدينا أدلة تؤكد أن الحلبوسي يقف خلف عودة النازحين قسراً".
وحذّر المتحدث العشائري أن "بعض المناطق المحررة ما زالت على خط خطر هجمات داعش وأخرى تحت سيطرة المليشيات"، مؤكدا أنه "حاليا لدينا حراك نحو الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لمنع عودة النازحين قسرا".
في المقابل، نفى رئيس لجنة الهجرة والمهجرين في البرلمان العراقي، رعد الدهلكي، وجود أي عودة قسرية لعوائل النازحين، وكشف عن وجود خطة حكومية لجمع النازحين في مخيمات موحدة. وقال لـ"العربي الجديد"، "هناك قرار للحكومة العراقية بدمج مخيمات النازحين، فهناك مخيمات فيها أعداد متفرقة، فالعمل يتم على تقليل تلك المخيمات وجمعها لجمع النازحين في مكان واحد لتسهيل خدمتهم".
وأكد أن "عودة النازحين طوعية بالكامل وليست قسرية، وهذا ما حصل مع نازحي مخيم الحاج علي في جنوب الموصل، خصوصا أن نقل هؤلاء النازحين تم بإشراف محافظ نينوى منصور المرعيد، وكذلك وزارة الهجرة، ونحن متابعون للموضوع إلى حين وصول النازحين إلى المخيم البديل".
ولفت إلى أن "هناك عرقلة في بعض الطرق رافقت عملية نقل النازحين، وعرقلة في وجود بعض المواد الغذائية". وبيّن أن "الحديث عن بقاء النازحين عدة أيام في الطرق غير صحيح، وإنما بضع ساعات، وهم حتى لم يبيتوا الليل في الشارع، وهذا التأخير بسبب الإجراءات الأمنية والعدد الكبير للنازحين، ونقل هؤلاء تم بين مخيمات داخل محافظتي نينوى وصلاح الدين".