العلاج النفسي صار مقبولاً في الكويت

06 يوليو 2018
ليس "مجنوناً" (العربي الجديد)
+ الخط -
بدأ المجتمع الكويتي في تقبل العلاج النفسي، إذ تشهد المراكز المتخصصة إقبالاً ملحوظاً من الشباب والشابات

تنقسم العيادات النفسية في الكويت إلى قسمين؛ عيادات حكومية توجد في ثلاثة مستشفيات في الكويت من أصل 7 وهي المستشفى الأميري ومستشفى مبارك الكبير ومستشفى الصباح، كما يتولى أطباء الصحة العامة في المستشفيات تحويل المرضى الراغبين بالحصول على علاج أو استشارات نفسية من المستوصفات المنتشرة في أرجاء البلاد.

أما القسم الثاني هي العيادات الخاصة التي يديرها أطباء متخصصون، وغالباً ما تختص بالاستشارات النفسية من دون غيرها، بينما تتخصص العيادات الحكومية في العلاج العضوي للأمراض النفسية وذلك بسبب كلفته العالية على المرضى، وقلة الإقبال عليه.
يأتي ذلك فيما يتراجع وصم من يحتاجون إلى العلاج والاستشارات بصفات سلبية نمطية من قبيل "العته" و"الجنون" وغيرهما.

يقول الدكتور، علي الخاجة، وهو طبيب نفسي كويتي يعمل في الحكومة لـ "العربي الجديد": "علينا أن نفرّق بين الأمراض التي تستدعي تدخلات طبية وأدوية كيميائية وهذا ما يكون متوفراً في العيادات الحكومية، وبين الاستشارات النفسية التي يقدمها المستشارون النفسيون في العيادات الخاصة".

يفضل كثير من الراغبين بالحصول على الاستشارات النفسية اللجوء إلى العيادات الخاصة على الحكومية لعدة أسباب أهمها الحصول على قدر أكبر من الخصوصية، والحصول على مواعيد انتظار أبكر على عكس الحكومية.

يقول الدكتور، عدنان الشطي، الذي يدير عيادة للاستشارة النفسية لـ"العربي الجديد": "الإقبال على العيادات في السنوات العشر الأخيرة ارتفع بشكل مذهل إلى الدرجة التي اضطرت كثيراً من العيادات إلى توسيع أعمالها في أرجاء البلاد". يعزو الشطي السبب الذي ازدهرت فيه العيادات النفسية إلى "وعي المجتمع أكثر فأكثر بدور الاستشارات النفسية، وانعكاس التعليم على الأفراد، خصوصاً من جيل الشباب في أنّ الذهاب إلى الطبيب النفسي يساعد في عبور الضغوط، وليس دليلاً على الجنون والعته وهو ما لمسته فعلاً إذ إنّ غالبية المراجعين هم من الشباب الذين حصلوا على تعليم عالٍ ويتولون مناصب حكومية أو تجارية متوسطة وكبيرة".



تحكي "ش. ص" وهي مسؤولة مالية في إحدى الشركات العقارية تجربتها، لـ"للعربي الجديد": "بدأت في زيارة العيادة قبل ثلاثة أعوام بالضبط، إذ كنت أعاني من ضغوط شديدة في العمل مع مشروع تجاري كنا قد بدأنا للتو بالتخطيط له، كما كنت أعاني من ضغوط أخرى على الصعيد الاجتماعي، وقررت الذهاب إلى طبيب نفسي شاهدت إعلاناً له عبر الإنترنت، وبدأت الأمور بالتحسن حتى صار الجلوس على كنبة الطبيب بالنسبة لي طقساً شهرياً". وعن تقبل المجتمع لهذه الفكرة، تقول: "تخوّفت من إخبار والديّ في البداية، لكنّي فوجئت بأنّهما تقبلا الأمر بارتياح، أما الأقارب الآخرون فبدأوا بالشك والتساؤل عندما أخبرتهم، لكنّ بعضهم كان يأتي إليّ سراً ليسألني عن جدوى الاستشارة وعما إذا كانت مناسبة له".

لكنّ مصارحة المجتمع بالحاجة إلى الاستشارة النفسية لا يقدر عليها الجميع، إذ يفضل "أ. ع" عدم إخبار أيّ شخص إلاّ قلة قليلة من المحيطين به بإصابته بالاكتئاب، وحاجته إلى مراجعة عيادة نفسية بشكل متواصل، للحديث عن همومه ومخاوفه للاستشاري النفسي. يقول لـ"العربي الجديد": "سأخسر وظيفتي الحساسة إذا ما أفصحت عن ذهابي إلى العيادة، كما أنّ نظرة زوجتي ووالدتي إليّ ستتغير إلى الأبد. أعرف الدائرة المحيطة بي من الأقارب وأعرف أنّها لن تتقبل أنّ شخصاً منها يحصل على استشارة نفسية". يعمل "أ. ع" مدير فرع لإحدى الشركات في العاصمة الكويت، كما أنّ لديه تجارة مهمة مع عائلته في قطاع الأغذية والمطاعم، وهو يظن أنّ عائلته ستفقد ثقتها به إذا ما صارحها بإصابته بالاكتئاب الحاد.

في إشارة إلى الإقبال الشعبي الكبير على العيادات النفسية، فإنّ كثيراً من الشركات الخاصة تقدم باقة علاج نفسي واستشارات نفسية ضمن المميزات التي تمنح للموظفين، بالإضافة إلى تأمين يشمل الرعاية النفسية الصحية أيضاً. وافتتح أطباء نفسيون كويتيون مثل الدكتور نايف المطوع عيادات نفسية في مدن خليجية، إذ يقضي المطوع عطلة نهاية الأسبوع في دبي بالإمارات المتحدة، لتقديم الاستشارات فيها.



من جهته، فإنّ الدكتور محمد السويدان يلقى إقبالاً كبيراً، لكنّ الحصول على استشارة لديه يتطلب حجزاً لموعد قبل عدة أشهر. يقول السويدان لـ"العربي الجديد": "وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل كبير في تغيير نظرة العار الاجتماعي تجاه الطب النفسي، وساعدتنا كأطباء في توعية الناس أنّ الأمراض النفسية ليست جنوناً وأنّ من الممكن علاجها عبر الاستشارة النفسية أو وصفات الأدوية". يضيف: "الخدمات التي جرى تقديمها من الحكومة، وذلك عبر تغيير اسم مستشفى الطب النفسي إلى مركز الكويت للرعاية النفسية، بالإضافة إلى تعيين أطباء نفسيين في المستشفيات العامة ومراكز الرعاية الأولية أدت إلى تغيير هذه الصورة أيضاً".

كذلك، أطلقت وزارة الصحة الكويتية حملة تحت شعار "تقبل" تهدف إلى تقبل فكرة العلاج النفسي وزيارة العيادات النفسية. تقول الناطقة باسم الحملة، لولوة الرديني، إنّها غيّرت كثيراً من نظرة أفراد المجتمع تجاه الطب النفسي، وتمكنت الحملة بالتعاون مع وزارة التربية من زيارة كثير من المدارس وحث التلاميذ من الجنسين على تقبل فكرة العلاج النفسي.
دلالات
المساهمون