أحوال "أم الدنيا"

10 فبراير 2019
الهموم المعيشية كبيرة (بيتر ماكديارمد/ Getty)
+ الخط -

بعيداً عن الجدال الذي أثاره كتاب "هل مصر بلد فقير حقاً؟" الذي أودى بصاحبه إلى السجن، يمكن القول إنّ أزمة مصر لجهة البطالة بالغة التعقيد، وقد تكون وراء انفلات الأمور والأوضاع مرة ثانية، بالنظر إلى اتساع مداها وحدّتها وشمولها فئات عريضة من مجتمع البلاد الفتيّ. والمؤكد أنّ النموّ السكاني الذي تشهده مصر معطوفاً على جملة ما يعيشه الاقتصاد المصري من تأزم، يقود إلى بروز ظاهرة البطالة وارتفاع معدلاتها.

من يراجع الأرقام التي تصدرها الجهات الرسمية المعنية، يلاحظ ما يشبه السلّم التصاعدي في معدلات البطالة، إذ إنّ كلّ إحصاء يدلّ على أرقام أعلى من سابقه قبل عام. والحصيلة أنه في غضون العقود القليلة الماضية، ارتفعت النسبة المئوية من 4 إلى 9 إلى 11 ثم إلى 15 وأكثر من حجم القوة العاملة، ما يعني أنّنا نتحدث عن ما بين 3.5 إلى 4 ملايين نسمة محرومين من حق العمل، من أصل أكثر من 27 مليون نسمة هم عماد الثروة البشرية أو القوة العاملة لمصر. وهذا الحرمان تترتب عليه نتائج سياسية واقتصادية ونفسية وثقافية فادحة، وخصوصاً أنّ نسبة الشباب الذين بلغوا 29 عاماً تقدّر بنحو 20.2 مليون نسمة؛ الذكور منهم 51.6 في المائة، والإناث 49.4 في المائة وفقاً لتقديرات السكان لعام 2018. وبلغت نسبة العاملين بعقود قانونية تبعاً للتعداد المذكور 31 في المائة.

المحللون المعنيون يؤكدون أنّ البطالة، وإن كانت تشمل معدلات أعمار متعددة، تظهر عملياً وبوضوح لدى الفئة العمرية التي تتراوح بين 15 و29 عاماً، إذ بلغت نسبتها بينهم 84 في المائة خلال التسعينيات، وعام 2005 تبين أنّ 92 في المائة من العاطلين من العمل هم تحت سنّ 30 عاماً؛ 55 في المائة منهم خريجون جامعيون، بينما النسبة العليا نجدها لدى خريجي المعاهد المتوسطة. وقد لاحظ المحللون أنّ النسبة العليا من البطالة تتركز في المناطق الريفية، ومعدلها بين الإناث من نفس الأعمار يعادل أربعة أضعاف ما هي عليه لدى الذكور.




بالطبع يحتاج سوق العمل وبالعلاقة مع الزيادة السكانية السنوية، إلى نحو مليون فرصة عمل سنوياً، غير متوفّرة. ولعلّ مبادرات الحكومات والعهود المتعاقبة قد عجزت عن استيعاب الطامحين الجدد للدخول إلى سوق العمل، وأبقت مئات الألوف منهم خارج قدراته. وهكذا لم تتمكن البرامج الحكومية من الإحاطة باتساع المشكلة، ما أدى إلى تفاقمها وزيادة حدّتها على نحو مطرد.

مثل هذا الوضع يرتبط بجملة من القضايا المتداخلة، من بينها سياسة التوظيف ومدى قدرة القطاعات في العام والخاص، على الاستيعاب، ودور الاقتصاد الكلي والصغير ومؤسساته في فتح فرص عمل جيدة، وأنظمة سوق العمل، ودور التكنولوجيا، وطابع الصناعة المصرية، والمنافسة الحادّة في الأسواق التقليدية والناشئة، وغيرها من مشاكل لا تجد حلولاً فعلية لها.

*باحث وأكاديمي
دلالات
المساهمون