ما هي "أقوى" الجمعيات النسوية في لبنان؟ يمكن للناشط أو الناشطة أو أيّ شخص أن يسمّي اثنتَين، ربما. لماذا تستأثر بعض الجمعيات النسائية و/أو النسوية بالفضاء النضالي العام، وأين هي الجمعيات النسائية والنسوية الباقية الناشطة تاريخياً في لبنان؟
لا تخفى على أحد المشكلة التي طاولت جمعيات ناشطة عدّة حول العالم، لا سيما النسائية منها، لجهة تقليص المساحات الخاصة بها وصعوبة الحصول على تمويل، ما هدّد وجودها ودفع عددا منها إلى "الإغلاق".
من يراقب سياسات التمويل والمنح الخاصة بالجمعيات، يجد أنّها تلحق بنمط معيّن أو "تريند" في كلّ عدد من السنوات. ولعلّ النمط الذي ساد في السنوات الأخيرة، يتمثل بـ"مأسسة" العمل المدني ومنه النسوي، وذلك عبر وضع أنظمة وسياسات، مع ما بات يتطلبه ذلك من عمل مكتبي وورقي بيروقراطي غير قليل. الجمعيات التي تتمكّن من "النجاة" بكل ما للكلمة من معنى، هي تلك التي لحقت بالركب واستعانت بخبراء أو طوّرت قدراتها لتتمكّن من تلبية متطلبات المموّلين والمانحين، لجهة إعداد قوائم التدقيق والتحقق من وجود استراتيجيات خمسيّة وسياسات مالية وتوظيفية وبرامج لتقييم المخاطر والتصدي لها، وأخرى خاصة بمحاربة الفساد وبالإعلان عنه، إلى جانب قوائم وبرامج خاصة بالتحقق من قياس الأثر وتقييم العمل وضمان الفعالية والإنتاجية، وأخرى للتأكد من رضى المستفيدين والمستفيدات. هذا ليس كلاماً عاماً، إنّما هو حقيقة واقعية أغرقت النضال النسوي والنسائي بهذا المستوى من العمل البيروقراطي. والجمعيات التي لم تستطع تلبية تلك المتطلبات، توسم بأنّها "من الخطر التعامل معها" أو "High Risk NGO".
في مقابل تلك التحديات الخارجية التي ساهمت إلى حدّ بعيد بتقليص مساحات النضال النسائية والنسوية، ثمّة تحدٍّ داخلي وأساسي يتمثّل بتفريغ النضال النسوي من محتواه السياسي. متابعة عمل المنظمات النسائية والنسوية منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، تبيّن أنّ المنظمات والهيئات التي نشطت في تسعينيات القرن الماضي وفي بداية الألفية الحالية، هي تلك التي كانت هي أو عضواتها جزءاً من الأحزاب السياسية الناشطة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وقد ارتبط النضال المطلبي النسوي حينها بالسياق السياسي، وكان بالتالي سياسياً. اليوم، اختلفت بوصلة المطالب والعمل المطلبي حولها عن ما كانت عليه حينها. بات سقف المطالب منخفضاً جداً، وتحوّلت الجمعيات - إلى حدّ ما - إلى ما كانت عليه قبل سبعينيات القرن الماضي، كمنظمات إغاثية أو رعائية غير مرتبطة بالفضاء السياسي العام. وما زاد الطين بلّة "تخصصية" القضايا التي ساهمت في تقليص النضال بشكل أكثر حدّة. فبات المتخصصون والمتخصصات بقضايا الجندر غير معنيّين بالشأن الاقتصادي أو السياسي. وأولئك الخبراء/ الخبيرات في مجال التنمية، ليسوا/ لسنَ بالضرورة معنيّين/ معنيّات أو متخصصين/ متخصصات بقضايا الجندر. وحتى ضمن نطاق "الجندر" نفسه، ثمّة أبواب تخصص عدة.
اقــرأ أيضاً
ربّما ساهمت تلك العوامل الداخلية والخارجية بتفريغ النضال من محتواه، ليصير عبارة عن مجموعة مطالب غير مترابطة، يقودها اختصاصيون/ اختصاصيات واستشاريون/ استشاريات يهتمون/ يهتممنَ بتدوير الزوايا ومراعاة الخواطر على حساب أولويات النساء واهتماماتهنّ.
*ناشطة نسويّة
لا تخفى على أحد المشكلة التي طاولت جمعيات ناشطة عدّة حول العالم، لا سيما النسائية منها، لجهة تقليص المساحات الخاصة بها وصعوبة الحصول على تمويل، ما هدّد وجودها ودفع عددا منها إلى "الإغلاق".
من يراقب سياسات التمويل والمنح الخاصة بالجمعيات، يجد أنّها تلحق بنمط معيّن أو "تريند" في كلّ عدد من السنوات. ولعلّ النمط الذي ساد في السنوات الأخيرة، يتمثل بـ"مأسسة" العمل المدني ومنه النسوي، وذلك عبر وضع أنظمة وسياسات، مع ما بات يتطلبه ذلك من عمل مكتبي وورقي بيروقراطي غير قليل. الجمعيات التي تتمكّن من "النجاة" بكل ما للكلمة من معنى، هي تلك التي لحقت بالركب واستعانت بخبراء أو طوّرت قدراتها لتتمكّن من تلبية متطلبات المموّلين والمانحين، لجهة إعداد قوائم التدقيق والتحقق من وجود استراتيجيات خمسيّة وسياسات مالية وتوظيفية وبرامج لتقييم المخاطر والتصدي لها، وأخرى خاصة بمحاربة الفساد وبالإعلان عنه، إلى جانب قوائم وبرامج خاصة بالتحقق من قياس الأثر وتقييم العمل وضمان الفعالية والإنتاجية، وأخرى للتأكد من رضى المستفيدين والمستفيدات. هذا ليس كلاماً عاماً، إنّما هو حقيقة واقعية أغرقت النضال النسوي والنسائي بهذا المستوى من العمل البيروقراطي. والجمعيات التي لم تستطع تلبية تلك المتطلبات، توسم بأنّها "من الخطر التعامل معها" أو "High Risk NGO".
في مقابل تلك التحديات الخارجية التي ساهمت إلى حدّ بعيد بتقليص مساحات النضال النسائية والنسوية، ثمّة تحدٍّ داخلي وأساسي يتمثّل بتفريغ النضال النسوي من محتواه السياسي. متابعة عمل المنظمات النسائية والنسوية منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، تبيّن أنّ المنظمات والهيئات التي نشطت في تسعينيات القرن الماضي وفي بداية الألفية الحالية، هي تلك التي كانت هي أو عضواتها جزءاً من الأحزاب السياسية الناشطة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وقد ارتبط النضال المطلبي النسوي حينها بالسياق السياسي، وكان بالتالي سياسياً. اليوم، اختلفت بوصلة المطالب والعمل المطلبي حولها عن ما كانت عليه حينها. بات سقف المطالب منخفضاً جداً، وتحوّلت الجمعيات - إلى حدّ ما - إلى ما كانت عليه قبل سبعينيات القرن الماضي، كمنظمات إغاثية أو رعائية غير مرتبطة بالفضاء السياسي العام. وما زاد الطين بلّة "تخصصية" القضايا التي ساهمت في تقليص النضال بشكل أكثر حدّة. فبات المتخصصون والمتخصصات بقضايا الجندر غير معنيّين بالشأن الاقتصادي أو السياسي. وأولئك الخبراء/ الخبيرات في مجال التنمية، ليسوا/ لسنَ بالضرورة معنيّين/ معنيّات أو متخصصين/ متخصصات بقضايا الجندر. وحتى ضمن نطاق "الجندر" نفسه، ثمّة أبواب تخصص عدة.
ربّما ساهمت تلك العوامل الداخلية والخارجية بتفريغ النضال من محتواه، ليصير عبارة عن مجموعة مطالب غير مترابطة، يقودها اختصاصيون/ اختصاصيات واستشاريون/ استشاريات يهتمون/ يهتممنَ بتدوير الزوايا ومراعاة الخواطر على حساب أولويات النساء واهتماماتهنّ.
*ناشطة نسويّة