"من جذور هلأرض اجينا".. قضية تقاوم النسيان

24 مايو 2015
شهادات 13 فلسطينياً عانوا محنة النكبة واللجوء (العربي الجديد)
+ الخط -
على مقعد في الصف الأول، جلست الحاجة زكية عبد الرازق أبو الهيجاء، تشاهد فيلم "عروس الجليل" للمخرج باسل طنوس، الذي يروي قصة فاطمة هواري، من قرية ترشيحا في الجليل، وكيف قضى أفراد عائلتها في قصف للطيران الإسرائيلي يوم سقوط البلدة بقبضة العصابات الصهيونية، فيما تم سحبها من تحت الركام، وقد أصاب الشلل ساقيها.

اهتزت يدا الحاجة زكية، الممسكة بالعكاز، وتنهيداتها الحارقة ملأت قاعة العرض، وبين الفينة والأخرى كانت تتمتم "يا ويلي عليها"، "حسرة عليكي يا حبيبتي".

كانت فاطمة هواري مخطوبة وعلى وشك الزواج حين أصيبت، وكانت الحاجة زكية مخطوبة أيضا، في قرية الحدثة المنكوبة قضاء طبريا، التي طردت العصابات الصهيونية أهلها إبان النكبة عام 1948، بحسب ما قالته لـ"العربي الجديد"، على هامش أمسية في مدينة طمرة بالجليل، أخيرا، احتفاء بصدور كتيب "من جذور هلأرض اجينا".

ويحمل الكتاب في طياته حكايات وشهادات على لسان 13 مسنا، طُردوا في شبابهم أو طفولتهم، من قرى الدامون والرويس وعين حوض وغيرها من القرى المهجّرة، والتجأوا إلى مدينة طمرة، وبقوا فيها حتى اليوم.

من جماليات العمل، أنه ترك الحكايات باللهجة المحكية دون تغيير، ومن ميّزاته أن الشهادات جُمعت على يد مجموعة من شبان وفتيات، تطوعوا "لإنقاذ ما تبقى من شهادات قبل فوات الأوان، فالمؤرخون والأكاديميون والكتاب لن يستطيعوا جمع كل المعلومات والتقاء كل من عاش النكبة، وهنا أهمية دورنا كجيل ناشئ في خدمة قضايانا الوطنية"، على حد تعبيرهم.

تقول الحاجة زكية أبو الهيجاء لـ"العربي الجديد"، مستذكرة قريتها الحدثة: "هاي بلدي حبيبتي هاي وطني. قبل شهر شاركت في المسيرة للحدثة، كنت أحمل من ترابها وأبوسو وأحطو على وجهي وأبكي لأنا كنا مجانين لما تركناها، وفش عنا عقل. انا كنت مخطوبة لابن عمي والخوف خلانا نطلع وتركنا الأبواب مفتوحة قلنا يمكن نرجع. يمين بالله الحدثة ما بتغيب عن بالي لا عند الصحو ولا عند النوم. بنساش هواها هاي حبيبتي بلدي. أهل طمرة استقبلونا ويخلف عليهن وشكرا الهن، بس لو بنينا هون قصور منبقى لاجئين وحلمنا نرجع ونفرش حصيرتنا ونزرع ونحصد قمحاتنا ونشرب من ميتها (مائها)...".

أما رسلان صبح، الذي كان في السادسة من عمره، حين تم طرد أهالي الرويس المهجرة عام 1948، وكان أحد أبطال الكتيّب أيضا، فقال لـ"العربي الجديد": إن "المشهد عالق في ذهني لليوم. يومها دبوا الرعب والخوف في قلوبنا، واختلف الكبار في القرية، قسم بدوا يرفع راية بيضاء ويستسلم، والقسم الثاني بقول هذول بدهن يطعمونا لليهود. ومش كلشي كان سياسي، لأنو كان خلافات عائلية وتم استغلال الموقف لتصفية الحسابات بين البعض".

ويضيف صبح أن الأمر حُسم، حين وصلت قذائف مدافع العصابات الصهيونية إلى الرويس والدامون المجاورة، ولم يبق خيار أمام أهالي القرية إلا تركها مضطرين، فمنهم من توجه إلى طمرة القريبة، ومنهم من توجه الى الشمال ووصل لبنان. كما ساهمت الأخبار التي تصل القرية بتعجيل الرحيل القسري "فاليهود يذبحون الناس".

ولا ينسى صبح كيف نسوا شقيقته الصغيرة في الرويس، وتنبهوا إلى ذلك بعد وصولهم طمرة، فقرر والده العودة، ليجدها في منتصف الطريق سالمة، ومحمولة على ظهر أحد أهالي القرية.
تطول التفاصيل التي رواها أهالي القرى المنكوبة، وأعرب الكثيرون منهم في حديث لـ"العربي الجديد"، عن سعادتهم بمبادرة الشباب لجمع حكاياتهم، الأمر الذي يرون فيه بصيص أمل بأن القضية بخير، وأن الأجيال الجديدة لن تضيّع قضيتهم حتى بعد رحيلهم عن الدنيا.

اقرأ أيضا: الذكرى 67 للنكبة: عائدون .. عائدون

وتوضح فداء زبيدات، إحدى الناشطات في إخراج كتيب "من جذور هلأرض اجينا"، أن الفكرة التي نفذها شبان وفتيات من جمعية "جفرا العامر"، بدأت بمشاركة من جمعية "تامر" في رام الله، التي قامت على مشروع "100 لمة وهمة"، ودعمت فكرة توثيق قصص النكبة الخاصة بمن لجأوا إلى مدينة طمرة في الداخل الفلسطيني عام 1948.



وتقول زبيدات "حرصنا على إبقاء الشهادات كما جاءت بالضبط على لسان من قابلناهم من المهجّرين، بلهجتهم واللغة المحكية، لتكون أقرب إلى القلب وإلى الواقع، واليوم نكرّم هذه الشخصيات في هذه الأمسية المميزة التي تجمعنا بهم".

وتضيف زبيدات: "النكبة جزء من هويتنا، مما حدث لشعبنا، ومن المهم مشاركة الشباب في جمع شهادات حولها والاستماع إلى القصص مباشرة من أصحابها، هذا سيؤثر عليهم أكثر ويجعلهم أكثر تأثيرا أيضا على غيرهم. ونعتز أن شرائح شبابية مختلفة بادرت لمشاريع مشابهة بعد سماعها عن مشروعنا، وفي هذا عودة مهمة إلى الوعي وأهمية التوثيق".

من جانبه، قال علي عرموش، المسؤول في جمعية "جفرا العامر"، إن "الجمعية تهتم جدا بترسيخ الهوية الفلسطينية وكل ما يتصل بها عند الشباب. من أهدافنا حث الشباب وتشجيعهم على توثيق مسيرة أجدادنا، وحمل الأمانة من بعدهم. خلال هذا العمل، فوجئنا بأمور كثيرة لم نكن نعرفها، فسماع قصة مباشرة من شخص عاش النكبة، يختلف كليا عن القراءة عنها مثلا. هذا جعلنا نعيش كل حكاية بمختلف تفاصيلها ونتأثر بها".

اقرأ أيضاً: ما زلنا نخبر أطفالنا عن الزعتر