مع دخول موسم الصيف، رأى مصريون كثر أنفسهم عاجزين عن الاسترخاء وتمضية وقت ممتع على شواطئ البحر أو في مصايف أخرى، في ظلّ الغلاء الجنوني الذي طاول أسعار كلّ شيء في البلاد.
ما إن انتهت امتحانات الثانوية العامة في مصر في الأول من يوليو/ تموز الجاري، حتى اشتعلت أسعار المصايف في كل المناطق الساحلية، مثلما ارتفعت بدلات إيجار الشقق المفروشة والشاليهات لتبلغ أرقاماً فلكية. ومع ارتفاع أسعار المصايف هذا ومرور أكثر من مناسبة قضت على ميزانية الأسر مثل شهر رمضان وعيد الفطر وما إليها، حسمت أسر كثيرة أمرها وقررت الاستغناء عن المصيف هذا العام.
وراح المصريون من ذوي الدخل المحدود يلجؤون إلى رحلات ليوم واحد، غير أنّهم وقعوا في فخّ الشواطئ المجانية وقد اكتشفوا أنّها وهم كبير. إلى ذلك، لوحظ أنّ أسراً عدّة قلّصت مدّة الإجازات، فبدلاً من أسبوع إجازة اكتفت بثلاثة أيام أو أربعة على الأكثر، بغرض التوفير وحصر النفقات. وقد حرصت تلك الأسر على تهيئة طعامها وشرابها في المنزل قبل السفر، سواء أكان ذلك ليوم واحد أو لأيام عدّة، في ظل الارتفاع الكبير في أسعار الأغذية والوجبات السريعة التي تقدّمها المطاعم.
والغلاء الكبير الذي يتزايد عاماً بعد آخر، قضى على حلم الغلابة وذوي الدخل المحدود في الاستمتاع بالمصايف التي تعوّدوا عليها. من خلالها، كانوا يروّحون عن أنفسهم بعيداً عن الضغوط النفسية التي يواجهونها طوال السنة. وحرمتهم التكلفة العالية قضاء أيام أو ساعات على أحد الشواطئ العامة. وارتفاع الأسعار الجنوني طاول حتى الشواطئ الشعبية مثل جمصة بمحافظة الدقهلية ورأس البر بمحافظة دمياط وبلطيم بمحافظة كفر الشيخ. أمّا محافظة الإسكندرية التي كانت في يوم من أبرز مصايف الغلابة، اختفت منها المسابح الشعبية ولم يبقَ إلا سبعة فقط، وهي جليم وشهر العسل والهانوفيل والمكس والمندرة والسرايا وميامي. إلى ذلك، ثمّة 45 شاطئاً للطبقة الغنية والعائلات الكبرى، لا تستطيع الطبقة الوسطى الدخول إليها نظراً إلى أسعارها المرتفعة. وتلك المصايف يتحكم بها عدد من رجال الأعمال والشركات السياحية الكبرى بالإضافة إلى الحكومة ممثلة بمحافظة الإسكندرية. كلّ ذلك جعل ربّ الأسرة المصرية في حيرة من أمره... أين يذهب وعائلته لقضاء وقت طيّب على شواطئ البحر؟
في سياق متصل، يُسجّل في المصايف الشعبية في مصر تدنّ في مستوى الخدمات العامة بصورة كبيرة، مع انتشار الحشرات التي تعكّر صيف المصريين، لا سيّما البعوض والذباب، إلى جانب قناديل البحر، في حين تكثر القمامة وتغيب دورات المياه. إلى ذلك ارتفعت بدلات إيجار الشماسي والكراسي في الشواطئ الشعبية، وكذلك أسعار السلع في المقاهي والكافيتريات والمطاعم المطلة على الكورنيش. فلا رقابة على الأسعار ولا متابعة، وصارت الفوضى السمة الرئيسية التي تتحكم بالشواطئ الشعبية، خصوصاً في محافظة الإسكندرية.
ولأنّ ارتفاع الأسعار يطاول كلّ شيء، فقد ارتفعت بدلات إيجار الشقق الخاصة بموسم الصيف والتي تتراوح ما بين 800 جنيه مصري و1000 (نحو 45 - 55 دولاراً أميركياً) لليلة الواحدة. وهذه الأسعار تختلف من محافظة ساحلية إلى أخرى، فتزيد في محافظة مطروح بالمقارنة مع الإسكندرية، كما ترتفع بدلات إيجار الشاليهات والغرف في القرى السياحية على الساحل الشمالي وفي الغردقة، وفقاً لقرب المنتجع من شاطئ البحر وللخدمات المقدمة والمرافق، أو وفقاً للأيام. فالإيجار يختلف بين أيام الأسبوع العادية وبين أيام الإجازات الرسمية، ومن الممكن أن ترتفع الأسعار بنسبة 50 في المائة على أقل تقدير.
وفي ما يتعلق بغرف الفنادق التي يقدّر عددها بنحو أربعة آلاف في الإسكندرية، فتتراوح بدلات إيجارها هذا العام ما بين 1500 و3500 جنيه (نحو 85 - 200 دولار أميركي) لليلة الواحدة، وذلك وفقاً للدرجة السياحية الخاصة بالفندق ونوعية الخدمات المقدّمة فيه. يُذكر أنّ السماسرة يفضلون التعامل بالدولار ومع السائح الأجنبي أو العربي بدلاً من المصري. وثمّة شقق في الأبراج الجديدة لا يتعامل أصحابها بالجنيه المصري إطلاقاً.
محروس عبد الستار سمسار عقارات بالإسكندرية، يؤكد أنّ "أسعار المصايف ارتفعت بصورة مخيفة هذا العام، وصارت بعض المناطق محرّمة على أصحاب الدخل المتوسط أو المتدني"، موضحاً أنّ "ارتفاع بدلات إيجار الشقق المفروشة وغرف الفنادق وكذلك تكلفة الشواطئ أثّر كثيراً على المصريين، الأمر الذي أدّى إلى انخفاض عدد قاصدي الشواطئ". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "ارتفاع أسعار المحروقات والكهرباء كان له دور كبير في الزيادة المسجلة في الأسعار بالمقارنة مع العام الماضي. وقد ألغت أسر عدّة حجوزاتها، ورفعت قيمة تذاكر مواصلات النقل البري. إلى ذلك، فإنّ الجميع ينتظر شهر أغسطس/ آب، إذ إنّه من المتوقع أن يزيد عدد المصطافين قبل عيد الأضحى أو بعده".
ويشير عبد الستار إلى أنّ شواطئ الإسكندرية منذ أربعينيات القرن الماضي، كانت المصيف الرسمي للمصريين من كل المحافظات، وكانت تزدهر السياحة الداخلية فيها منذ شهر يونيو/ حزيران وحتى نهاية سبتمبر/ أيلول بخلاف هذه الأيام، نتيجة الغلاء الفاحش والظروف الاقتصادية الصعبة التي تتضرر كثيرون من جرّائها".
من جهة أخرى، تُسجَّل سرقات عدّة في شقق مصر. وفي الإسكندرية، تتلقى الأجهزة الأمنية يومياً عشرات البلاغات من أصحاب المنتجعات الذين يبلّغون عن سرقات فيها، في ظل عدم توفّر إجراءات أمنية تحول دون ذلك.