في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب... ما عليك معرفته عن المجرمين والضحايا

26 يونيو 2018
أساليب التعذيب صارت أكثر تعقيداً(تويتر)
+ الخط -
هل يقاس التعذيب بأعداد الضحايا أم بعدد الدول التي تمارسه؟ أم بشدّته وقسوته وأساليبه المتمادية حتى الموت؟ وهل وقع التعذيب الفردي في النفوس يضاهي التعذيب الجماعي أم العكس؟ وماذا عن "الجلاد" الذي ينفذ جرائمه بدون محاسبة، وينتظر وصول معدات التعذيب من الدول المصدرة لها؟ أسئلة لا حصر لها تحتاج للإجابة والتحليل لفهم تلك الممارسة المحرمة والسائدة في الوقت نفسه.

أفظع ما يقال اليوم لمناسبة اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، إنّ 114 دولة حول العالم لا تزال تمارس التعذيب المنهجي، بينها دول عربية، تعذب المعارضين والناشطين والمساجين لديها حتى الموت، وإن ثلاثة أرباع المهاجرين والنازحين المقدر عددهم بنحو 63 مليون شخص تعرّضوا للتعذيب بأحد أشكاله، وإنّ مشاكل العالم الصارخة من حروب وتهجير وسجن واعتقال وإعدامات وإغلاق حدود ورفع سياجات وكبت حريات وقتل معارضين التي تنطوي جميعها على تعذيب، تؤشر إلى أنّ تلك الممارسات اللاإنسانية لم ولن تغير وجه العالم وتجعله أكثر أمنًا وعلى فكر واحد.

ويبدو جليًا أنّ ممارسي التعذيب، المحرّم دوليًا عبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان منذ عام 1948، والمتفق عالمياً على مواجهته عبر إبرام اتفاقية مناهضة التعذيب ونفاذها منذ 26 يونيو/حزيران 1987، لا يزالون في أكثر من مكان في هذا العالم يرتكبون "جرائمهم" دون محاسبة أو عقاب.

من هم المعذبون؟

المعذبون هم الذين يرتكب بحقهم أي فعل مسيء ينتج عنه ألم أو معاناة شديدين، سواء أكان جسدياً أم عقلياً، عن عمد للحصول منه على معلومات أو اعتراف، أو لمعاقبته بسبب فعل ارتكبه أو يشتبه في ارتكابه، أو تخويفه أو إرغامه، أو لأي سبب من الأسباب على أساس التمييز من أي نوع.

ويقع التعذيب على الجسد من قبيل الضرب، أو الإجبار على اتخاذ وضع مؤلم، أو جنسي، مثل الاغتصاب. ويكون نفسياً من قبيل الحرمان من النوم، والإذلال على الملأ، والإعدام الصوري، والتهديد بإساءة المعاملة، والحرمان من محفزات الإدراك الحسي، وأساليب أخرى.

مع تزايد أساليب التعذيب تعقيداً في مختلف أنحاء العالم، وربما لزيادة الرقابة من المؤسسات والمنظمات غير الحكومية على ممارسة التعذيب، يعمد مرتكبوها في بعض البلدان إلى عدم ترك آثار وعلامات على أجساد المحتجزين تشير إلى تعذيبهم، واعتماد التعذيب النفسي عوض الجسدي.

ولا يعني ذلك أن التعذيب المؤسسي الذي تنتهجه الأنظمة والدول، يلغي أو يخفف من فداحة التعذيب الذي تمارسه المجتمعات المحلية والقبائل وحتى الأفراد في أي مكان.

 

التعذيب يطاول الملايين في العالم(تويتر) 

من يمارس التعذيب؟

يظهر أن الاتحاد الأوروبي المبادر الأول في إعلان التزام دوله بمنع جميع أشكال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وإدانتها والقضاء عليها، في سياق خطة عمله بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية 2015-2019، والذي صدر أمس على لسان الممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد فيديريكا موغيريني.

الإعلان لا يعني أن الناس سيحصدون مفاعيله سريعاً، خصوصاً المهاجرين الذي يواصلون محاولاتهم لدخول القارة الأوروبية. فمعسكرات اللجوء والجدران الحدودية العازلة والترحيل ومنع لمّ الشمل، وغيرها من التدابير تندرج في إطار التعذيب، باعتراف الاتحاد الأوروبي في بيانه أمس عند الإشارة إلى "منع التعذيب بجميع أشكاله، وتجاه الذين هم في أكثر الحالات ضعفاً، حتى في سياق مكافحة الإرهاب وإدارة الأزمات والهجرة".

ولا شك أن سوء التعامل مع قضية الهجرة وتعذيب المهاجرين بعيداً عن أوروبا، كان مدوياً في الولايات المتحدة مع تشديد سياسات الإدارة الأميركية في ملف الهجرة، ولن يكون آخرها قرار فصل أطفال المهاجرين غير الشرعيين عن أهلهم قبل تجميده. ومع ارتباط التعذيب بالهجرة والتهجير، نجد دول شمال أفريقيا التي تحولت إلى محطات وممرات عبور للمهاجرين الأفارقة الهاربين من التعذيب بأشكاله المختلفة، حرباً وفقراً وجوعاً وخوفاً من القمع والاعتقال. ويصطدم هؤلاء بسوء المعاملة والتمييز المجحف قبل أن يخوضوا مغامرة الإبحار المميتة.

ولو نظرنا إلى دول الحروب من حولنا، نلاحظ ماذا يفعل المعتدي بالمعتدى عليه: قتل جماعي ومجازر وتجويع وقصف للمدارس والمستشفيات، إضافة إلى الاعتقال والسجن والإخفاء والإعدام، ويمارس أكثر منها في سورية والعراق واليمن وليبيا وفلسطين المحتلة. وينعكس الواقع بالضرورة على دول الجوار التي تأثرت بحركة النزوح والتهجير القسريين.

هو اختصار شديد لما يحصل في العالم، والتقارير التي تشرح بإسهاب عذابات أقلية الروهينغا التي ترقى إلى الإبادة الجماعية في بورما، تقابلها تقارير أخرى عن التعذيب في سريلانكا وأفغانستان والهند وغيرها، حتى تكاد لا تخلو دولة من التعذيب طالما أنها لا تسمح للمعارضين بالمشاركة ورفع الصوت.

التعذيب منتشر في العالم (تويتر) 



أرقام من هنا وهناك

تشير منظمة العفو الدولية في تقرير أصدرته عام 2016، إلى أن ثلاثة أرباع دول العالم تقريباً تمارس التعذيب المنهجي، وهي 144 دولة من أصل 163 دولة موقعة على اتفاقية مناهضة العنف الصادرة عام 1987.

وتوضح المنظمة البريطانية freedom from torture في تقرير نشرته عام 2016 بعنوان "إثبات التعذيب"، أن المملكة المتحدة لا تملك إحصاءات عن طلبات اللجوء التي تنطوي على تعذيب. لكنها أشارت إلى أن 27 في المائة من المهاجرين الأجانب البالغين الذين يعيشون في المملكة المتحدة هم ضحايا ناجون من التعذيب، وإن 10 في المائة من هؤلاء يحتاجون للرعاية الطبية والنفسية. وتنقل عن مكتب التدقيق الوطني في بريطانيا أن 55 في المائة من السوريين اللاجئين إلى بريطانيا هم ناجون من التعذيب.

وتعلن منظمة أطباء بلا حدود بالمناسبة أنه رغم غياب الأرقام الدقيقة لضحايا التعذيب بين المهاجرين والنازحين عن ديارهم، الذين يتخطى عددهم الـ60 مليون شخص في العالم، هناك بين 60 و80 في المائة منهم تعرضوا للتعذيب بأحد أشكاله.

وتشير المنظمة إلى تقديمها خدمات الرعاية المتخصصة لنحو 4 آلاف ضحية من الناجين من التعذيب من بداية 2017 وحتى مايو/أيار 2018، أكثرهم من المهاجرين وطالبي اللجوء القادمين من أكثر من 20 دولة، وهي: سورية وإيران والعراق وأفغانستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإريتريا وإثيوبيا والصومال والسنغال وغامبيا وغينيا والسودان وجنوب السودان.


في تقرير نشره المركز الكندي لضحايا التعذيب لعامي 2016-2017، أوضح أنه تابع حالات 338 من الضحايا الناجين من التعذيب من 65 جنسية قدموا إلى كندا طلباً للجوء. وبيّن أن العدد الأكبر لمتلقي العلاج النفسي والصحي كانوا من إيران (25 شخصاً)، ونيجيريا (24 شخصاً)، وأفغانستان (20 شخصاً)، وإثيوبيا (19 شخصاً)، والكاميرون (16 شخصاً).

أما الحالات التي تابعها التقرير من الدول العربية، فكانت كالتالي: 3 من مصر، 6 من العراق، 4 من ليبيا، 4 من فلسطين، 2 من السعودية، 9 من السودان، 6 من سورية، وواحدة من تونس. ولفت إلى أن بين العدد الإجمالي للضحايا خمسة أطفال و56 شخصاً تراوح أعمارهم بين 15 و25 عاماً.

السجناء السياسيون والمعتقلون يموتون تحت التعذيب(تويتر) 


أدوات التعذيب


ممارِس التعذيب يحتاج إلى أدوات ومعدات تلبي "احتياجاته"، وجاءت إسرائيل بين الدول الأولى المصدرة لأدوات التعذيب، بحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية عام 2016، نشر تفاصيله مركز "شمس" الفلسطيني، ومنها أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تتصدر إنتاج وتصدير أدوات التعذيب، منها القيود، السلاسل، الأصفاد وكراسي التكبيل، ومواد كيميائية تسبب الشلل، مثل غاز الأعصاب، والغاز المسيل للدموع والسموم المخدرة، وأجهزة الصعق الكهربائي.

أما الصين فكانت الأولى قبلها بعامين، ووسعت إنتاجها لتغطي احتياجات قمع ثورات "الربيع العربي"، بحسب تقرير نشرته صحيفة "تيليغراف" عام 2014، مشيرة فيه إلى أنها ورّدت معدات التعذيب إلى مصر وليبيا ودول أفريقية أخرى، تستخدمها الشرطة لقمع المظاهرات، منها الأصفاد وكراسي التقييد وأغلال الساق الحديدية، ومعدات للسيطرة على الحشود واستجواب المعتقلين. ولفت التقرير إلى أن السلطات الصينية تستخدم تلك الأدوات نفسها ضد المعتقلين والمساجين السياسيين من مسلمي إقليم شينغينانغ الذين تتهمهم بالسعي للانفصال.

وتعتبر مؤسسة "أوميغا" البريطانية للأبحاث المتعلقة بتصنيع وتجارة الأسلحة ومعدات التعذيب، أن الولايات المتحدة تستخدم على نطاق واسع مجموعة من المعدات القاتلة الخاصة بعقوبة الإعدام، وكذلك الصين وإيران والمملكة العربية السعودية.

وتلفت إلى تجارة أدوات التعذيب عبر الإنترنت في تقرير نشرته عام 2015، إضافة إلى ترويجها في المعارض الدولية، مدرجة على سبيل المثال معرض "ميليبول" في باريس في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وهو أحد معارض السلاح التي تنظم في دول الاتحاد الأوروبي، وُزعت فيه قوائم مصوَّرة لمعدات محظورة، من قبيل أصفاد الإبهام والهراوات المدبَّبة وقيود الساقين المزوّدة بثقل والدروع المدبّبة.

وتشير إلى أن شركة "بي كي أي" الألمانية للمعدات الإلكترونية تروج لمعدات محظورة، وهي أصفاد اليدين الصاعقة بقوة 60 ألف فولت، مع عبارة إعلانية تقول: "هكذا تستطيع شل حركة أي شخص يحاول الهرب، بسرعة لم ترها من قبل".

إسرائيل تتصدر الدول المنتجة والموردة لمعدات التعذيب(تويتر) 


هل من حلول؟

أعلنت الأمم المتحدة عام 2017 أن نحو 60 دولة بقيادة الاتحاد الأوروبي بدأت في سبتمبر/أيلول محاولة لإنهاء تجارة هذه السلع، مثل الهراوات الكهربائية والعقاقير القاتلة المستخدمة لتنفيذ أحكام التعذيب والإعدام. وسبقت ذلك خطوة البرلمان الأوروبي بالموافقة في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2016، على مشروع قانون يحظر بيع أدوات تستخدم في عمليات التعذيب والإعدام.

ويشمل مشروع القانون الجديد الذي تم اعتماده حظر بيع وتصدير بعض المواد والمعدات الطبية، التي يمكن استخدامها في التعذيب، والكرسي الكهربائي المستخدم في تنفيذ عقوبة الإعدام، والهراوات والأصفاد، ومنع توزيع تلك الوسائل أو الترويج لها عبر شبكة الإنترنت.

وتؤكد "أوميغا" بدورها العمل مع الاتحاد الأوروبي، والأميركيتين، وآسيا، ودول جنوب القارة الأفريقية في إطار التحالف من أجل التجارة الحرة من التعذيب، لافتة إلى أن المبادرة يقودها الاتحاد الأوروبي والأرجنتين ومنغوليا لإنهاء التجارة بأدوات التعذيب، التي من المتوقع أن تنضم إليها كندا والمكسيك وغيرها.