لاتفيا تضيّق الخناق على اللغة الروسية في مدارسها

25 مايو 2019
مسيرة احتجاجية وسط العاصمة اللاتفية ريغا (تايسيا فورونتسوفا/ Getty)
+ الخط -

منذ تفكّك الاتحاد السوفييتي واستقلال دول البلطيق الثلاث، لاتفيا وليتوانيا وإستونيا، تواجه الجاليات الروسية المقيمة فيها تدهوراً في أوضاعها في ظلّ قوانين تميّز بين السكان الأصليين والأقليات في مختلف المجالات، حتّى في حقّ نيل الجنسية. مع ذلك، لم يعرقل هذا التمييز الواضح بحقّ قطاع عريض من السكان عملية انضمام الدول الثلاث إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004.

مع إقرار المحكمة الدستورية في لاتفيا مشروعية إصلاح منظومة التعليم لجهة الحدّ من ساعات التدريس باللغة الروسية في المدارس الثانوية، يتخوّف أبناء الأقلية الروسية، الذين يُقدَّر عددهم بنحو ثلث سكان البلاد، من استمرار تهميشهم وسط سعي النخبة السياسية إلى تعزيز التكامل مع الاتحاد الأوروبي والابتعاد عن روسيا. وعلى الرغم من أنّ المحكمة أعادت موقفها إلى دوافع "العدالة التاريخية" ورأت أنّه لا يتعارض مع المادة 91 من الدستور الخاصة بمنع التمييز، فإنّ الإصلاح الذي سوف يدخل حيّز التنفيذ ابتداءً من الأوّل من سبتمبر/ أيلول المقبل قد أثار احتجاجات شارك فيها آلاف المواطنين الناطقين بالروسية للمطالبة بحقوقهم.

يحذّر الباحث اللاتفي في علم الاجتماع، أندريه سولوبينكو، من أنّ "الإصلاح الجديد سوف يخلق ظروفاً غير متكافئة للناطقين باللاتفية والناطقين بالروسية في ما يتعلق بفرص الحصول على تقديرات عالية والالتحاق بالجامعات، ومن شأنه كذلك أن يزيد من التوجّه نحو تهميش أبناء الأقلية الروسية وزيادة وتيرة هجرتهم إلى الخارج". يضيف سولوبينكو لـ"العربي الجديد"، أنّ "التعداد السكاني الأخير الذي أجري في عام 2011، أظهر أنّ 37 في المائة من سكان لاتفيا ناطقون بالروسية. لكنّ النخبة الحاكمة تسعى إلى جعل البلاد حكراً على اللاتفيين، إذ إنّ كلّ القوانين في مجال التعليم تتّجه إلى الإقصاء التدريجي للغة الروسية من المدارس". ويشرح أنّه "مع تطبيق الإصلاح الحالي، تتقلّص حصة المواد باللغة الروسية في المدارس الثانوية، حتى تلك الخاصة بالأقلية الروسية، من 40 إلى 10 في المائة، أي الإبقاء على مادة لغة الأقلية وأدبها فقط".




وعن تداعيات ذلك على أبناء الأقلية الروسية في لاتفيا، يقول سولوبينكو إنّ "الظروف لن تكون متكافئة بين الروس واللاتفيين في ما يتعلق باجتياز امتحانات المدرسة الثانوية والالتحاق بالجامعات، ولن يكون أمام الناطقين بالروسية سوى خيار اللجوء إلى الدروس الخصوصية، علماً أنّها ليست في متناول معظمهم. أمّا المدارس والجامعات الخاصة، فكلفتها مرتفعة ويقتصر التدريس فيها على لغات الاتحاد الأوروبي، والروسية ليست من ضمنها".

في مطلع مايو/ أيّار الجاري، شارك نحو أربعة آلاف شخص في مسيرة احتجاجية وسط العاصمة اللاتفية ريغا، مردّدين هتافات مثل "الإصلاح عبث... لا للإصلاح"، لكنّ ذلك لم يمنع السلطات اللاتفية من المضيّ قدماً في تنفيذ قرارها. بالنسبة إلى سولوبينكو، فإنّ "تلك المشاركة المحدودة لم تكن كافية لتمثّل ضغطاً على السلطات"، مشيراً إلى أنّه "في عامَي 2003 و2004 شارك عشرات الآلاف في الاحتجاجات الرافضة للإصلاح اللغوي، الأمر الذي ساهم في التوصّل إلى حلّ وسط يقضي بأن تكون 60 في المائة من ساعات التدريس باللغة اللاتفية و40 في المائة باللغة الروسية، كذلك سُمِح بداية بالإجابة عن أسئلة امتحانات المواد المدرّسة باللاتفية، باللغة الروسية. يُذكر أنّ أكثر من 10 آلاف شخص شاركوا حينها في الاحتجاجات، ولو كان العدد مماثلاً في هذه المرّة، لما كانت السلطات أصرّت على مثل هذا التضييق".

ويعبّر سولوبينكو عن تخوّفه من تراجع نسبة الناطقين بالروسية بين عدد سكان بلاده البالغ نحو مليونَي نسمة والمتراجع بسبب الهجرة، لافتاً إلى أنّه "منذ الأزمة المالية في عام 2009، توجّه السكان من الفئات العمرية الأكثر نشاطاً نحو الهجرة إلى بلدان أوروبا الغربية الأكثر رخاءً. صحيح أنّ نصفهم من الناطقين بالروسية والنصف الثاني من الناطقين باللاتفية، غير أنّ وتيرة تراجع تعداد السكان الروس أكبر، لأنّ عددهم من إجمالي سكان البلاد أقلّ في الأساس".




كذلك، أثار إصلاح المنظومة التعليمية اللاتفية احتجاج موسكو، وقد وصفه نواب في مجلس الدوما الروسي بأنّه "إبادة جماعية لغوية وانتهاك صارخ لحقوق السكان الناطقين بالروسية"، مناشدين بفرض عقوبات اقتصادية على لاتفيا. من جهته، أعرب المجلس الاستشاري لمجلس أوروبا عن قلقه ممّا يجري، داعياً السلطات اللاتفية إلى العمل على تحسين أوضاع الأقلية الناطقة بالروسية والسماح لأبنائها بتلقي تعليمهم بلغتها الأمّ. كذلك اعترض مجلس أوروبا على قلّة النواب الناطقين بالروسية في البرلمان اللاتفي قياساً بنسبة الروس بين السكان، والتسامح مع "التصريحات الشوفينية" تجاه الروس التي تمرّ من دون أيّ عقاب في معظم الأحيان. لكنّ السلطات في ريغا لم تستجب لتلك الملاحظات فأصدرت المحكمة الدستورية في نهاية إبريل/ نيسان الماضي، قرارها النهائي بمشروعية الإصلاح.
دلالات