واقع المدرّسين في سورية... أجور زهيدة في قطاع متدهور

12 ديسمبر 2018
لا يتقاضى المدرس ما يكفي حاجاته الأساسية(عامر الحموي/فرانس برس)
+ الخط -

طاولت الصراعات الدائرة في سورية العاملين في مهنة التدريس كغيرهم، وتراجع وضعهم بالتزامن مع تدهور العملية التعليمية، وباتت ضريبة تمسّكهم بمهنتهم باهظة، فيعانون من الفقر والعوز والجهد والقلق وانعدام الأمن.

وقال المدرس مصطفى محمد، من بنش في ريف إدلب، لـ"العربي الجديد": "واقع المدرس قبل الثورة كان سيئا، وبات اليوم أسوأ، خصوصاً مع الوضع الاقتصادي الحالي. وبالنسبة لواقع المدرسين في مدينتي، أعتقد أن المشهد يعمم على مختلف المناطق بفوارق بسيطة، فأغلبهم يعيشون في عوز وفقر مدقع".

وأضاف "في مدينة بنش كما في كل محافظة إدلب، المدرسون ثلاثة أصناف، الأول هو موظف لدى وزارة التربية التابعة للنظام ويتقاضى أجره كل 6 أشهر من حماة الخاضعة لسيطرة النظام، وراتب المدرس يخضع لمدة الخدمة، ولكن معدل الأجور الوسطي 30 ألف ليرة سورية (الدولار الأميركي سعره نحو 450 ليرة). والقسم الثاني يتقاضون أجورهم من منظمة "كومنكس" وتبلغ نحو 120 دولاراً أميركياً، والراتب يتوقف خلال العطلة الصيفية".

وتابع "أما التصنيف الثالث، فيضم المدرسين المتطوعين، الذين لا يتقاضون أي أجر"، موضحا أن "المدرسين المتطوعين، هم من خريجي الجامعات في اختصاصات محكومة بالتدريس في مجتمعاتنا، مثل خريجي التاريخ والجغرافية وغيرها، فهم يقبلون على العمل تطوعاً أولا لإرضاء أنفسهم، فلا يخسرون العمر بدون نتيجة، كما يأملون أن توسّع المنظمة كادرها ويصبحوا مدرسين براتب، وهناك من يدرّس للسنة الثالثة على التوالي من دون نتيجة، والتدريس التطوعي يعطي فرصة لبعضهم لجذب الطلاب في بعض الدروس الخصوصية، الأمر الذي يساعده على تأمين معيشته".

ولفت إلى أن "دخل المدرس لا يمكن أن يكفي الحاجات الأساسية للحياة اليومية، فتجد المدرس متزوجا من مدرّسة أو امرأة عاملة، أو تجده يعمل في الدروس الخصوصية، ويتقاضى المدرس في السنة الدراسية عن الطالب الواحد ما بين 500 إلى 600 دولار أميركي، أو تجد لديه محلاً تجارياً، أو يعمل في محل أو ورشة ما، وإلا لن يستطيع إطعام عائلته، فالحد الأدنى للمعيشة في بنش هو 300 دولار أميركي بالنسبة لعائلة مكونة من خمسة أفراد".

وذكر أن "المدارس تعاني من حدوث شواغر على الدوام، في حال ترَك المتطوعون العمل حين يتوفر لهم عمل مدفوع، وفي بنش على سبيل المثال 83 مدرساً متطوعاً من أصل 503 مدرسين".

ولا يختلف واقع المدرس كثيراً في مناطق النظام، باستثناء عدم وجود متطوعين في المهنة، فجميع المدرسين على ملاك وزارة التربية، إلا أن هناك وكلاء أجورهم بخسة جدا، بحسب ليلى نعسان، المدرّسة في إحدى المدارس الابتدائية بدمشق.

وأضافت لـ"العربي الجديد"، "رواتب الموظفين، خصوصاً المدرسين، سيئة جدا، والواقع مضحك مبكٍ، فكثير من المدرسين راتبهم في الشهر لا يكفي لشراء حذاء، ويختلف الراتب بحسب مدة الخدمة. وإن كان متعاقدا كوكيل أو يدرّس بالساعة أو مثبتا، لكن بأفضل حالاته ومع خدمة تزيد عن 25 سنة، لا يصل الراتب إلى ما يعادل 100 دولار أميركي، وهناك من لا يصل راتبه إلى 20 ألف ليرة، أي نحو 40 دولارا، وطبعا هذا الراتب من المستحيل أن يكفي تأمين أبسط احتياجات العائلة".

ولفتت إلى أن "المدرس كي يستطيع تأمين معيشة عائلته بالحد الأدنى، تجده يعمل في الصباح بالمدرسة، وحتى منتصف الليل بالدروس الخصوصية، التي تؤمّن له أضعاف راتبه لدى الدولة، أو بأي عمل آخر يكون هو المصدر الرئيسي للدخل وليس راتبه من التربية".

من جانبه، قال الناشط التربوي عبد الحي الشامي، في حديث مع "العربي الجديد"، "نستطيع القول إن دخل المدرس أحد أهم الأسباب التي أدت إلى انحدار التعليم في سورية، هذا بدأ من ثمانينيات القرن الماضي، حيث تدنّى مستوى عطاء غالبية المدرسين الذين شغلهم الحصول على رغيف الخبز، ومع انهيار صورة المدرس انهارت صورة المتعلم وأهمية العلم، وأصبح الطالب يرى مدرّسه الذي يمثل في نظره القدوة نادلاً في مطعم أو ملهى ليلي، أو سائق تاكسي أو عاملا في محل تجاري، والمشكلة الأكبر أصبح يراه يأتي إلى منزله ليعطيه درساً خصوصياً مقابل مبلغ زهيد من المال".

وتابع "سُحق المدرس في سورية، وسحقت معه العملية التربوية والتعليمية، وبعد أن كان المدرس يمثل نخبة المجتمع وأحد أبرز قادته والمؤثرين فيه، أصبح يُنظر إليه بدونية".
المساهمون