بعنوان "إيد بإيد من الجنوب للشمال" شاركت مدن وأقضية الساحل اللبناني من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب مروراً ببيروت في سلسلة بشرية تطلب التغيير
تمرّ آليات للجيش اللبناني عند طريق الرملة البيضاء، جنوبي بيروت، فتلقى هتافات وصيحات مشجعة من مواطنين بأيد متشابكة. تقول إحدى السيدات عن السبب في تحية الجيش: "لأنّه ضمانتنا بعد رحيل الفاسدين". لم يكن المتظاهرون اليوم فقط على الشاطئ الذي يعاني من تسلط الطبقة السياسية الفاسدة، بل امتدوا في سلسلة بشرية هائلة وصل طولها إلى 170 كيلومتراً بحسب المنظمين، من عكار في أقصى شمال لبنان، إلى صور في أقصى جنوب لبنان، مروراً بطرابلس وجبيل وكسروان والمتن وبيروت والشوف وصيدا.
في بيروت كانت الأجواء المشمسة ملائمة جداً للتحرك المختلف عما سبقه في الأيام العشرة الماضية، فقد تجمع المشاركون في أماكن حددها المنظمون سلفاً، لا سيما في ساحة الشهداء وعند الكورنيش البحري للمدينة، وحملوا الأعلام اللبنانية حصراً، فوضعها كثيرون منهم على ظهورهم. وبينما بدت الأجواء احتفالية، فإنّ ذلك لم يؤثّر في آراء المشاركين، وتصميمهم على إزاحة الطبقة السياسية الفاسدة. تقول سيدة مشاركة لـ"العربي الجديد" وهي تشير إلى مبنى أحد الفنادق الذي استولى على جزء من شاطئ الرملة البيضاء، بشبهات فساد قبل سنوات قليلة، إنّ "هؤلاء الفاسدين اللصوص لا بدّ من إزاحتهم. ولذلك، يجب أن نأتي بحكومتنا النظيفة التي تأتي بقضاء نظيف يحاسبهم جميعاً". أما عن الحراك الشعبي فتقول: "هي ثورة حقيقية، ولسنا تابعين لأيّ جهة غير وطننا، ولا بدّ من رمي الفاسدين في النفايات كما أغرقونا سنوات فيها".
السلسلة البشرية في بيروت (حسين بيضون) |
وفي بيروت أيضاً (حسين بيضون) |
في طرابلس الشمالية، وعلى لافتة معلّقة بشكل دائم على مبنى غندور المطلّ على الحشود في ساحة عبد الحميد كرامي في عاصمة الشمال، كُتب: "من طرابلس، ثورة لكلّ لبنان". كانت الوجوه التي تملأ الساحة يومياً هي نفسها التي تقف عند نقطة دوّار الميناء، تشبك أياديها. تحت الشمس، في تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً، بدأ المشاركون في السلسلة البشرية بالتوافد إلى نقطة التجمع، فيما انهمك المنظمون بالتنسيق مع المشاركين ومع المنظمين في بقية المناطق اللبنانية. يقول طارق عبود، أحد المنظمين. المارة في سياراتهم بمحاذاة السلسلة البشرية يتوقفون لالتقاط الصور، قبل أن يخرجوا أياديهم من النوافذ رافعين علامة النصر باتجاه المشاركين. وبين الحين والآخر، يمرّ بعض الأشخاص على دراجاتهم ليزوّدوا الناس بالمياه الباردة. أما المشاركون في السلسلة، فهم إما ضمن مجموعة من الأصدقاء أو مشاركون مع أولادهم وأهلهم. جودي الحوت وعُلا الخير مشاركتان عشرينيتان تجمعهما صداقة منذ كانتا على مقاعد الدراسة. تقول جودي، التي تشارك في تظاهرات ساحة كرامي أيضاً، إنّها عرفت عن المبادرة من خلال "فيسبوك" وانضمت إلى المجموعة التي أنشئت للتنسيق بين المشاركين. تضيف: "هذه السلسلة البشرية ربما تكون الأولى التي يجتمع فيها اللبنانيون يداً بيد على امتداد الوطن". في السياق نفسه، يقول الأب نقولا الرملاوي، كاهن رعية المنية: "لسنا مع أحد ضد أحد، ولا مع فريق ضد فريق، نحن هنا لنعبر عن معاناة شعبنا كله".
السلسلة البشرية في طرابلس (عمر العمادي) |
وفي صيدا، تحت شعار "من صيدا لطرابلس إيد بإيد" شارك أهل المدينة الجنوبية والمناطق المجاورة في مدّ سلسلة بشرية على طول شاطئها. تقول منسقة النشاط في المدينة، بهية النعماني لـ"العربي الجديد": "شارك في مدينة صيدا نحو 5 آلاف شخص في السلسلة". شاركوا كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً، ومن التلاميذ والطلاب وأصحاب المهن المتنوعة من مختلف أطياف المجتمع الصيداوي، وتجمعوا قبل الموعد المحدد للانطلاق يحملون الأعلام اللبنانية، ثم أنشدوا النشيد الوطني خلال وقفتهم تعبيراً عن ولائهم لوطنهم الواحد. اللافت أنّ العديد من المشاركين اصطحبوا أطفالهم معهم مصممين على إيصال رسالتهم بأنّ الشعب اللبناني بأكمله يرفض الطبقة السياسية الحاكمة والنظام الطائفي الذي يفرّق في ما بينهم. ولكسر حرارة الشمس، عمد مواطنون إلى توزيع المياه الباردة والمثلجات على المشاركين تضامناً معهم. زينة من مدينة صيدا تقول: "الهدف من وقفتنا هو المطالبة بأقل حقوقنا، وليس من المفروض أن نطالب بها لأنّها من حقنا، ومشاركتي هي للإثبات أنّ السياسيين هم من فرقوا بيننا وهذا دليل على أنّنا شعب واحد يجمعنا الوطن". أما ميساء صباغ فحملت العلم اللبناني وجاءت من مدينة النبطية (جنوب). تقول: "جئنا للتضامن مع بعضنا بعضاً في كلّ لبنان الذي ليس ملكية أحد من السياسيين، ولنطالب بأبسط الحقوق التي يجب على الدولة أن تؤمنها، ولنقول كفى".