معتقلات إدارة ترامب... مراكز احتجاز المهاجرين غير إنسانية

12 يوليو 2019
محتجّ صغير ضدّ معتقلات المهاجرين (رونين تيفوني/ Getty)
+ الخط -

مراكز احتجاز المهاجرين الوافدين إلى الولايات المتحدة الأميركية راحت توصف أخيراً بأنّها "معتقلات" يقبع فيها هؤلاء اليائسون الباحثون عن حياة أفضل وعن فرص جديدة، وسط ظروف غير إنسانية.

أثارت ألكدسندريا أوكازيو - كورتيز، النائبة الديمقراطية في الكونغرس الأميركي عن منطقة برونكس بمدينة نيويورك، زوبعة إعلامية وسياسية عندما استخدمت مصطلح "معتقَلات" - "مخيّمات اعتقال" بحسب الترجمة الحرفية - عند وصفها مراكز احتجاز المهاجرين المعتمدة من قبل الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب عند الحدود المكسيكية الأميركية، وذلك في خلال بثّ حيّ لها على تطبيق "إنستغرام" في يونيو/ حزيران المنصرم. والولايات المتحدة الأميركية تحتجز نحو 50 ألف مهاجر لا يحملون تصاريح دخول إليها، من بينهم آلاف الأطفال، في مراكز احتجاز وأخرى للإيواء وسط ظروف غير إنسانية، بحسب ما تفيد منظمات حقوقية أميركية.




ويستمرّ الجدال على خلفية تصريحات أوكازيو - كورتيز التي استخدمت مصطلح "معتقَلات" مرّة ثانية مع إشارة إلى مقال يشرح جذور استخدام المصطلح تاريخياً، رداً على انتقادات حادة وجهها إليها أميركيون من اليمين في الإعلام والسياسية مدّعين أنّها تجهل تاريخ النازية التي ارتبطت بذلك المصطلح. ويبدو أنّ الشرح الذي حاولت تقديمه لم يكن كافياً بالنسبة إلى الذين أرادوا شيطنتها، لأنّ المسألة لم تعد تتعلّق بالتعبير العلمي والتاريخي للمصطلح بل بالرواية المتصلة به وبمن يملك "الأحقية" في روايتها. ويرتبط المصطلح لدى كثيرين بفظائع النازية التي ارتكبت بحقّ اليهود وغيرهم، غير أنّ كثيرين يخلطون ما بين "المعتقَلات" وبين "مخيّمات الموت" في خلال الحقبة النازية. وكتبت أوكازيو - كورتيز في تغريدة عبر موقع "تويتر" أنّ الإدارة الأميركية "أنشأت معتقَلات للمهاجرين عند الحدود الجنوبية للبلاد، وفيها يتعرّض هؤلاء إلى العنف وسط ظروف غير إنسانية ويموتون". وإذ أشارت العضو في مجلس النواب الأميركي أنّ "ذلك ليس أمراً مبالغاً فيه، بل هو خلاصة ما توصّل إليه خبير في تحليلاته"، فإنّها أضافت رابطاً لمقال نشرته مجلة "إسكواير" نقل فيه عن المؤرّخ وييتمان وييد بيورن المحاضر في جامعة فيرجينيا قوله إنّ "ثمّة ما يمكن أن يكون معتقلاً بعيداً عن داخاو أو أوشفيتز". كذلك توقّف المقال عند آراء الصحافية والكاتبة الأميركية أندريا بيتزر مؤلفة "ليلة طويلة: تاريخ عالمي للمعتقلات" (One Long Night: A Global History of Concentration Camps).



اعتقال جماعي
بالنسبة إلى بيتزر، فإنّ كثيرين يخلطون ما بين "المعتقلات" وبين "مخيّمات الموت"، وتشرح أنّ المعتقلات حيث يُحتجز مهاجرون من دون أوراق، كانت موجودة قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك فرنسا وجنوب أفريقيا وكوبا والاتحاد السوفييتي وكذلك في الولايات المتحدة الأميركية. وكانت السلطات الأميركية قد احتجزت أكثر من 120 ألف شخص من أصول يابانية في خلال الحرب العالمية الثانية، علماً أنّهم بمعظمهم (أكثر من 60 في المائة منهم) كانوا مواطنين أميركيين. وهؤلاء كانوا يعيشون في مناطق الساحل الشرقي وقد زجّوا في معتقلات لأسباب عنصرية وليست أمنية مثلما ادّعت الحكومة الأميركية برئاسة فرانكلين روزفيت حينها. واليوم، بحسب تقارير إعلامية، فإنّ الإدارة الأميركية تنوي استخدام قاعدة "فورت سيل" العسكرية في أوكلاهوما، التي مثّلت في الماضي واحداً من معتقلات اليابانيين، لاحتجاز نحو 1400 طفل مهاجر من دون مرافقين بالغين من الذين يصلون إلى الحدود الأميركية عبر المكسيك. وكانت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قد استخدمت كذلك تلك القاعدة لمدّة أربعة أشهر بهدف احتجاز مهاجرين/ طالبي لجوء وفدوا إلى البلاد عبر الحدود المكسيكية الأميركية.




وتؤكد بيتزر أنّه "لدينا (في الولايات المتحدة الأميركية) ما أسمّيه نظام معتقلات"، مضيفة أنّ "تعريف ذلك في كتابي هو الاحتجاز الجماعي لمدنيين من دون محاكمات". وفي المبدأ، تُنشأ المعتقلات غالباً لفصل/ عزل مجموعات من الناس عن البقية، ويُصار إلى التعامل مع تلك المجموعات من قبل الحكومات أو الجهات التي أنشأت المعتقلات كأشخاص يمثّلون خطراً بسبب انتمائهم الديني أو القومي أو العرقي أو غيرها من الانتماءات، بحسب تقدير الأطراف الحاكمة أو الأغلبية. وترى بيتزر كذلك أنّ المعتقلات نادراً ما تُنشأ لتكون مخيّمات موت مثلما حدث لاحقاً في الحقبة النازية، وتشرح أنّ الوفاة في تلك المعتقلات تأتي عادة نتيجة الاكتظاظ أو الظروف القاسية التي يُحتجز وسطها المعتقلون.

أطفال مهدّدون

تجدر الإشارة إلى أنّ نحو 30 مهاجراً/ طالب لجوء، من بينهم ستّة أطفال، لقوا حتفهم في معتقلات منذ تولّي ترامب سدّة الرئاسة الأميركية في بداية عام 2017. وينقل محامون وحقوقيون زاروا عدداً من تلك المراكز صورة قاتمة ومخيفة عن الأوضاع فيها. وقد بثّت ونشرت وسائل إعلام أميركية شهادات لبعضهم تحدّثوا فيها عن زيارتهم لواحد من تلك المراكز في تكساس، فقالوا إنّهم في خلال زيارتهم التقوا بأطفال تمّ تفريقهم عن أهاليهم بحسب سياسات إدارة ترامب وإنّ ثمّة أطفالاً صغاراً من بين هؤلاء كانوا بالكاد يحصلون على رعاية أو انتباه من أشخاص بالغين. أضافوا أنّ أطفالاً صغاراً من هؤلاء كانوا يتلقّون الرعاية الجسدية والمعنوية، من قبيل الاستحمام وتغيير الحفاضات وغير ذلك، من قبل أطفال آخرين يكبرونهم فقط ببضعة أعوام، لافتين إلى أنّ الأخيرين تحدّثوا عن عدم توفّر حفاضات في أحيان كثيرة. وقد أشار أحد الحقوقيين إلى أنّ بعض الأطفال الذين قابلهم كانوا ينامون في أثناء المقابلات من شدّة التعب، وقال كذلك إنّ أحد هؤلاء، ويبلغ من العمر ثمانية أعوام، أخبره أنه يعتني بطفل عمره أربعة أعوام والأخير يرفض الاستحمام.



والتبعات الصحية، جسدياً ونفسياً، على الأطفال جميعهم، سوف تكون وخيمة وتلاحقهم لأعوام كثيرة، بحسب ما يؤكد متخصصون في علم الاجتماع وكذلك علم النفس. الأكبر سنّاً أجبروا على أن يصيروا آباء أو أمهات لأطفال غرباء عنهم فيما يتلقّى الأصغر سنّاً العناية من آخرين لا يعرفونهم. من جهة أخرى، تُشير دراسات مختلفة إلى خطورة الضغوط النفسية والجسدية الشديدة الناجمة عن رحلات هجرة هؤلاء ولجوئهم، لا سيّما اجتيازهم مسافات طويلة، بعضها سيراً على الأقدام بالإضافة إلى ركوب الحافلات، علماً أنّ ذلك قد يستمرّ لأشهر قبل بلوغهم الحدود الأميركية. بعد ذلك، مع وصولهم إلى الولايات المتحدة الأميركية هاربين من ويلات الفقر وعصابات المخدّرات والجرائم في بلادهم، يجدون مراكز الاحتجاز أو المعتقلات فيما يُصار إلى تفريق أبناء العائلة الواحدة بعضهم عن بعض في أحيان كثيرة. يُضاف إلى ذلك أنّهم يُعامَلون كمجرمين ويُحاكمون على الرغم من أنّهم بمعظمهم طالبو لجوء.

في سياق متصل، أعلنت السلطات الأميركية الأربعاء الماضي أنّها تحقّق في اتهامات حول تجاوزات تعرّض لها مهاجرون أطفال من قبل عناصر في مركز بالقرب من الحدود مع المكسيك. ونقلت شبكة "إن بي سي نيوز" تلك الاتهامات عن تقارير رسمية حول الحوادث تتضمّن شهادات أطفال في مركز تابع لإدارة الجمارك وحماية الحدود في الولايات المتحدة الأميركية، في يوما بولاية أريزونا. من جهتها، أكّدت إدارة الجمارك وحماية الحدود أنّها تأخذ كل الادعاءات على محمل الجدّ وتحقق في كل الشكاوى الرسمية، وتابعت في بيان أنّها تعامل كل من هم تحت حراستها "بكرامة واحترام وتؤمّن إمكانيات عدّة للإبلاغ عن أيّ ادعاءات حول سلوك سيئ"، مشددة على أنّ "تلك الادعاءات لا تتطابق مع ما يجري في مؤسساتنا وسوف يقام تحقيق معمّق".

مخالفات وانتهاكات

أصدرت وكالة الأمن القومي التابعة لمكتب المفتش العام تقريرها في هذا السياق وقد أشار إلى أربعة مراكز احتجاز في ولايات كاليفورنيا وكولورادو ولويزيانا ونيو جيرسي تُسجّل فيها مخالفات وانتهاكات فظيعة لمعايير الاحتجاز وللقوانين الأميركية، ومنها غياب الرعاية الصحية أو عدم كفايتها ووقوع حوادث أمنية لا يُبلّغ عنها وطعام لا يخضع لشروط السلامة الغذائية وغياب النظافة في الحمامات. أضاف التقرير أنّ المعتقلين لم يزوَّدوا بمستلزمات النظافة الأساسية مثل الصابون وفرشاة الأسنان ومعجون الأسنان، فيما تُمنَع الزيارات ويُسمح فقط بالاتصالات الهاتفية.




وحول مراكز اللجوء تلك، يقول المتحدّث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك، ستيفان دوجاريك، لـ"العربي الجديد"، إنّه "من الضروري أن تتعامل كل دولة مع المهاجرين واللاجئين بما يتناسب مع ما ينصّ عليه القانون الدولي وحقوق الإنسان الخاصة بذلك". يضيف دوجاريك: "لنأخذ على سبيل المثال الصور التي تتداول حالياً لأوسكار راميريز وابنته فاليريا اللذَين لقيا حتفهما غرقاً في محاولتهما اجتياز أحد الأنهر على الحدود المكسيكية الأميركية. هذه الصور بالنسبة إلى الأمين العام للأمم المتحدة تلخّص المأساة واليأس والحاجة التي تواجهها عائلات كثيرة تحاول البحث عن حياة أفضل". ويتابع دوجاريك: "هذا تذكير، وكأنّنا نحتاج إلى تذكير آخر، بوجوب التعامل مع موجات اللجوء والهجرة سواءً من قبل الدول التي يتحدّر منها المهاجرون واللاجئون أو تلك التي يعبرونها أو تلك التي يقصدونها أو تلك التي يصلون إليها، باحترام لحقوق الإنسان وللكرامة الإنسانية".
المساهمون