ملاك كايرو

10 يونيو 2015
شكل من أشكال الرجاء... (Getty)
+ الخط -

بتلهّف تُخرج الهديّة من الكيس الورقيّ الأسمر الذي طُبِع عليه شعار "مملوك" ببنيّ مائل إلى الأحمر. تثيرها الهدايا والمفاجآت، وتعيد إليها حماسة طفوليّة لاستكشاف ما تخبّئه الأغلفة الورقيّة. "ملاك!". تبتهج. إنه ملاك من الخزف، طُلي بعضه بالأبيض فيما بقي رأسه بلون الفخّار. تعقّب صديقتها "يتناسب مع ملاك براغ".

في ذلك المقهى البيروتيّ، كانت المرأتان الشابتان تحاولان التعويض عما فاتهما في الأسابيع الأخيرة. الصديقة كانت في مهمّة عمل في القاهرة، طالت هذه المرّة. تحكي عن كايرو - كما تحبّ أن تسمّيها -، أما هي فتتأمّل هديّتها قبل أن تعيدها إلى كيسها الورقيّ وتحرص على وضعها جانباً تحت حقيبة يدها. الاحتياط واجب. ملاك كايرو قد يقع على غفلة، ولن تحتمل تهشّمه.

وتكملان حديثهما، فيما تمرّ الساعات خاطفة.

***

على منضدة الزينة في غرفة نومها، تضع ملاكها الخزفيّ الجديد بالقرب من آخر أصغر حجماً. في خلال رحلتها إلى براغ قبل سنوات، أحضرت لها صديقتها ملاكها الأوّل. ترتّبهما قبل أن تسوّي الملاك النحاسيّ الذي علّقته على مرآة المنضدة. هذا أيضاً من القاهرة، وقد أحضرته لها في أوّل مهمّة عمل لها هناك، قبل أشهر.

تتأمّل ملائكتها الثلاثة وتبتسم. صحيح أن تلك لا تختصر مجموعتها، إذ بالقرب منها ملاك من شمع طفوليّ الملامح وعلى رفوف مكتبتها أكثر من واحد، إلا أن لهذه الثلاثة مكانتها الخاصة. قبل سنوات، عدّت صديقتها تلك "ملاكها الحارس".

***

"الملاك الحارس" شكل من أشكال الرجاء، تمتدّ جذوره إلى ذلك الإيمان الطفوليّ بالفانتازيا.. إلى ذلك الإيمان بالحكايات الخرافيّة وبتحقّق كل الأحلام والتخيّلات التي تنسجها براءة يافعة. وبين الحقيقة والوهم، ينمو الصغار ليصيروا أكثر "إنسانيّة".

في سنواتهم الأولى، ينسج الأطفال تصوّرات يفقدونها، لا سيّما في الأوقات التي يصنّفونها شدائد. تلك التصوّرات أو التخيّلات ما هي سوى أسلوب طبيعيّ وعابر، من شأنه أن يقلّص الفاصل ما بين العالم الذي بدأوا يدركونه وذاك الذي يرغبون فيه. هو ما يسمح لهم بالتكيّف مع بيئتهم المحيطة، بالتالي مع العالم.

***

باختلافها، تقول المعتقدات الروحانيّة والدينيّة بالملائكة، تلك المخلوقات المجنّحة التي تُبعَث لأداء مهام معيّنة، وإن تباينت حول طبيعتها ودورها الدقيقَين وكذلك ظهورها.

من جهتها، تتمسّك هي بصورتها الحلوة، تلك التي تُظهرها كائنات محبّبة راعية وحاضنة.. كائنات ترافقنا في مشوارنا على هذه الأرض وتسهر على حمايتنا من كل سوء، حتى ولو أخفقت في مرّات ومرّات كثيرة. ويبقى الأمل.

اقرأ أيضاً: قبل أن تحين الساعة
دلالات
المساهمون