"مورينغا" تروي زرع غزّة بالمياه العادمة.. بأمان

16 فبراير 2015
يطمح إلى تطبيق مشروعه لخدمة مزارعي القطاع (العربي الجديد)
+ الخط -

في مختبر كليّة الزراعة والبيئة في جامعة الأزهر في غزّة حيث اعتاد رشيد عوض مطر (23 عاماً) إجراء تجاربه، يجلس المهندس الزراعي وإلى جانبه أدوات بسيطة قادرة على تنقية المياه العادمة من خلال مستخلص شجرة البان أو "مورينغا". فهذا المستخلص يقضي على الجراثيم في المياه المعالجة، ويجعلها صالحة لريّ المزروعات.

ومطر الحائز شهادة في الهندسة الزراعيّة من جامعة الأزهر، يسكن في حيّ الشيخ رضوان في غزّة، وهو يتابع دراسته حالياً لنيل شهادة الماجستير في مجال المياه والبيئة. قبل فترة من الزمن، وقع على تسجيل فيديو على شبكة الإنترنت لعمليّة تنقية مياه الصرف الصحي عبر استخدام بذور شجرة البان. فبدأ تجربة أوليّة على تلك البذور، استخدم فيها المياه التي غمرت المنازل في خلال العاصفة التي ضربت البلاد أخيراً. وحصل على نتيجة إيجابيّة مبدئياً، وقرّر المضيّ قدماً في بحثه.

يروي مطر لـ "العربي الجديد " أنه طرح الفكرة "للحصول على منحة من مركز الشرق الأوسط لأبحاث تحلية المياه (مِدرِك) في سلطنة عُمان. فطلبوا مني دراسة عمليّة، ومن ثم أجرت لجان أكاديميّة عدة ومختصون مقابلات معي لمناقشة الفكرة. واستطعت الحصول على منحة تدعم ولو بجزء بسيط ما أحتاجه لإجراء هذا البحث العلمي".
تقوم فكرة مطر على تنقية مياه الصرف الصحي المعالجة عبر استخدام مستخلص شجرة البان سواءً البذور أو الأوراق، للقضاء على كل الجراثيم والفيروسات من خلال أنابيب صممها وزوّدها بالبذور من الداخل. وقبل ثلاث سنوات، بدأت هذه الشجرة تُزرع في قطاع غزّة، وتستخدم لأغراض صحيّة وعلاجيّة وكذلك لمعالجة المياه وتنقيتها.

ومن جملة الدوافع التي شجّعت مطر على ابتكاره، اطلاعه على الإحصائيات حول كميات مياه الصرف الصحي في القطاع التي يلّوَث بها البحر والتي تقدّر بثمانين مليون لتر يومياً. ويشير إلى خطورة ذلك، إذ من شأنه أن يؤثر على الخزان الجوفي أبرز مصادر مياه الشرب لسكان القطاع. أما هدف مطر من ابتكاره فهو مزدوج: توفير كميات كبيرة من المياه يُعاد استخدامها في الزراعة بدلاً من إلقائها في البحر، وتأمين العناصر المغذية للنباتات من قبيل النيتروجين والفوسفور التي تحتويها هذه المياه. بالتالي، تُستخدم بذلك مواد طبيعيّة لا تؤثر سلباً على صحة الإنسان ولا على نموّ النبات.

يقول: "استخدام المياه المعالجة يخفّف العبء على المزارع، لجهة استخدام الأسمدة والعناصر الكيماويّة اللازمة لنمو النباتات. فهذه المياه تحتوي على نسب ممتازة من العناصر الأساسيّة". يضيف أن "من شأن ذلك توفير المياه بشكل مستمرّ في ظل الأزمة التي تحدق بالخزان الجوفي وقلة المصادر الطبيعيّة"، لافتاً إلى أن "المزارع هو من أكثر الفئات المهمشة في المجتمع إذ لا تتوفّر له الاحتياجات الأساسيّة في ظل الحصار".

في الوقت الراهن، يعمد مطر إلى تحضير نموذج مصغّر عن ابتكاره، وهو عبارة عن بركة كبيرة تستخدم لتخزين المياه ومعالجتها بمستخلص هذه الشجرة، ليعيد من ثم ضخها في الأراضي الزراعيّة. بذلك، يتمكّن من تطوير ابتكاره وتحسينه ليؤمّن أفضل نتيجة.
ومشروع رشيد مطر كغيره من المشاريع في غزّة يعاني من قلة الإمكانيات. فيلفت المهندس الشاب إلى أن أبرز المعوّقات التي واجهها مذ بدأ بدراسة تطبيق مشروعه هذا، عدم توفّر مراجع عربيّة حول شجرة البان وفوائدها واستخداماتها العديدة، بالإضافة إلى قلة الإمكانيات التكنولوجيّة المتوفرة في المختبرات من أجهزة استخلاص ومجاهر حديثة لفحص العناصر وغيرها.

ويطمح مطر إلى تطبيق مشروعه ليُصبح مشروعاً وطنياً، فتُسجّل لفلسطين شهادة ابتكار أول مشروع من نوعه في الشرق الأوسط. لكن ذلك لا يتمّ من دون توفّر الإمكانيات الماديّة والأجهزة التي تساعد في عمليّة الاستخلاص. وهو يعتزم في حال نجاح النموذج المصغّر، طرح المشروع على الجهات المانحة والمعنيّة لتطبيقه على أرض الواقع.
وشجرة البان أو "مورينغا أوليفيرا" (التسمية العلمية) مصدرها الهند. ولأنها تُستخدم من قبل شعوب كثيرة حول العالم نظراً لفوائدها العديدة، فهي تحمل ألقاباً كثيرة ومنها شجرة الرحمة، وشجرة اليسر، وغصن البان، والحبة الغالية، وشجرة الرواق. كذلك، يدعوها البعض فجل الحصان وعصا الطبلة.
وتكثر الاستخدامات التقليديّة العلاجيّة لشجرة البان حول العالم. فهي تؤمّن السماد وعلاج تآكل التربة وتنقّي الماء، في حين تستخدم كنوع من التوابل وتدخل في تصنيع مستحضرات التجميل والمنسوجات والمبيدات الحشريّة والمبيدات الفطريّة وزيوت التزليق ومنتجات الألياف والزخرفة.
المساهمون