سماسرة يبتلعون الأراضي الزراعية في ليبيا

17 يناير 2018
يقطف الزيتون (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -
يوماً بعد يوم، تتضاءل المساحات الزراعية في ليبيا لصالح مشاريع استثمارية، في ظل غياب الدعم الحكومي وارتفاع الأسعار وكثرة  التعديات. ويجد مزارعون أنفسهم في وضع مالي حرج يدفعهم إلى البحث عن بدائل للعيش

عوامل كثيرة ساهمت في تراجع المساحات الخضراء وتضاؤل الإنتاج الزراعي في ليبيا، من بينها زيادة عدد السكان والزحف العمراني. وتتركّز الأراضي الزراعية في الشريط الساحلي، خصوصاً بين الدافنية (180 كيلومتراً شرق العاصمة) وحتى مدينة الزاوية، وفي أعالي الجبل الأخضر شرق البلاد، لاسيما منطقة المرج وما حولها. ويضمّ الجنوب الليبي أراضي زراعية واسعة.

من جهة أخرى، فإن التعدّي على الأراضي الزراعية تحوّل إلى ظاهرة، من دون أن تكون الجهات الحكومية قادرة على ردع المعتدين. ويقول مهندس في قسم حماية الأراضي الزراعية في وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والبحرية في حكومة الوفاق الوطني، زين العابدين الحوالي: "الجهات المرتبطة بوزارات الزارعة في كل حكومات ليبيا لا تستطيع منع التعديات، كما أنه ما من إحصائيات دقيقة في الوقت الحالي، وبالتالي لا يمكننا إلّا وضع نسب تقديرية".

يضيف: "أكثر المناطق الزراعية تضرراً بسبب الجرف الجائر والبناء العشوائي هي تلك الممتدة من المرج إلى بنغازي، وتقدّر بـ 100 كيلومتر. وتأتي أراضي الدافنية وكعام حتى قصر خيار، والتي تقدّر مساحتها بـ 120كيلومتراً، في المرتبة الثانية"، لافتاً إلى أن نسبة التعدي على مجمل هذه الأراضي وصلت إلى 40 في المائة. ويوضح أن التجار رفعوا أسعار الأراضي نحو ثلاثة أضعاف، حتى باتت تستثمر هذه الأراضي في البناء". ويذكر أنّ "القوانين تمنع البناء على الأراضي الزراعية، إلا أن مواطنين عمدوا إلى شراء أراضٍ في جنوب شرق طرابلس وبناء مساكن عليها". ومن هذه المناطق عين زارة وقصر بن غشير ووادي الربيع بأكمله وصولاً إلى مناطق النشيع والقويعة، مؤكداً أن مساحة البناء لا تقل عن 100 كيلومتر مربع.

ويبين الحوالي أن هذه المناطق كانت زراعية، وقد اشتهرت بإنتاج الحمضيات بشكل كبير، حتى أنّ إنتاجها كان يصدّر إلى الخارج، فضلاً عن كفايته للاستهلاك المحلي. يضيف أن "منتجات أخرى تناقصت إلى النصف، كزيت الزيتون في مناطق مسلاته وترهونة. كذلك، اعتُدي على مساحات واسعة في الجنوب الليبي يصعب تقديرها"، لافتاً إلى "تناقص انتاجها من التمور. سابقاً، كانت هذه الأراضي تنتج نحو 30 صنفاً من التمور. أما اليوم، بالكاد تنتج صنفاً واحداً، ولا يكفي حتى للاستهلاك المحلي".



وتعزو الأستاذة في قسم الزراعة في جامعة طرابلس، هند البدري، الأمر إلى ارتفاع أسعار المعدات الزراعية، وعدم دعم الدولة هذا القطاع، وغيرها من الأسباب التي لم تعد تشجع المزارع على الاستمرار في مزاولة هذه المهنة. تضيف أن سماسرة الأراضي يرفعون أسعارها إلى أرقام خيالية للاستفادة منها في مشاريع سكنية. كذلك، عمد مزارعون آخرون إلى تحويلها إلى حظائر أو إقامة مصانع أو صالات أفراح عليها وغيرها.

من جهته، يتحدث المزارع جاد الله بكار عن عدم جدوى الاستمرار في هذه المهنة. يقول: "ورثت المهنة عن أجدادي، ويحز في نفسي تركها. إلا أن ما تنتجه الأرض لم يعد كافياً لإعالة أسرتي وتأمين متطلبات الحياة". ويؤكّد أنه اضطر إلى بيع أجزاء من مزرعته التي تبلغ مساحتها 30 هكتاراً لسماسرة الأراضي الحريصين على شراء الأراضي المحيطة بالميناء. يضيف: "بات الحصول على الوقود صعباً في ظل ارتفاع الأسعار، ما دفع أبنائي إلى ترك العمل في الزراعة ومزاولة مهن أخرى".

يتابع بكار: "في العقود الماضية، كانت هناك قروض حكومية لتمويل الزراعة، وكانت نسبة الاستهلاك المحلي أكبر. لكن قل الاستهلاك والدعم، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، ولجوء التجار إلى استيراد الخضار من دول الجوار بأسعار أقل، ما جعلني أتوقف عن الفلاحة". ويسأل: "ماذا أفعل في المزرعة؟ اليوم أو غداً ستباع إلى السماسرة".

وتمنع التشريعات التعدي على الأراضي الزراعية تحت طائلة العقوبة، وتشير إلى أن التعدي على الأراضي الزراعية لا يتوقف أثره على الانتاج الزراعي، بل يؤثر على البيئة والمناخ بسبب تناقص المساحات الخضراء والغابات. في هذا السياق، تشير البدري إلى تقاعس سلطات البلاد في مواجهة خطر التعدي على الأراضي الزراعية، قائلة إن "هذه الظاهرة ليست جديدة، لكنّها زادت بعد انهيار الدولة خلال السنوات السبع الماضية، وبقيت تشريعات القانون الليبي متخلفة من مواكبة التطورات".

وتقول البدري إن "الجامعات لها دور مساند للحكومة. ويجب العمل على رصد الأراضي الزراعية التي ابتلعتها الكتل الاسمنتية والمباني العشوائية غير المرخصة"، مؤكدة أن "فقدان هذه الدراسات والإحصائيات يساهم في تنامي خطر الظاهرة، ويجعل الجهات المعنية عاجزة عن وضع تشريعات جديدة ووضع حلول لمواجهتها". وتطالب الوزارات المتخصصة، مثل وزارة الاسكان، وضع حلول لأزمة السكن في البلاد، التي تعدّ أحد أهم أسباب التعدي على الأراضي، إضافة إلى استئناف تمويل المشاريع الزراعية لتشجيع المزارعين على العمل.