أصدقاء المدرسة

07 ديسمبر 2015
أصرّوا على أن يلتقطوا الصورة نفسها (العربي الجديد)
+ الخط -

لم أذهب إليها يوماً. ويوسف لم ييأس من دعوتي في كل مرّة. لم يتعب من الدعوة إلى هذه اللقاءات إلاّ في فترة متأخرة. لقاءات زملاء المدرسة المتوسطة التي لم تعد موجودة اليوم. فقد أسقط متموّل جشع جدرانها الرملية القديمة كي يبني مكانها مشروعاً خاصاً به. مشروع لن يرتقي يوماً ليصبح بحلاوة مدرسة.

شعر يوسف في كل مرّة أن لديه مسؤولية تجاه أصدقاء الطفولة. وهذه مسؤولية متعبة من دون شك. فقد كان عليه أن ينبش أرقام هواتفهم الجديدة، وأن يتوجه إلى أماكن سكن بعضهم كي "يضمن" وجودهم في اللقاء الموعود، الذي اجتهد كي يكون سنوياً، قبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعية وبعدها. كنت في كل مرة أعِدُ ومن ثم أُخلِف الوعد.. حتى توقّف عن دعوتي.

شيءٌ ما، داخلي، كان يمنعني دوماً عن هذه اللقاءات. كنتُ، وما زلتُ، أفضّل أن تحصل مع هؤلاء الناس، دون غيرهم، بشكل عفوّي. نلتقي صدفةً في الشارع، ننظر في وجوه بعضنا، يتذكّر كل منا الآخر، نستعيد بعض المواقف واللحظات اللطيفة وشيئاً من اليوميات، ثم يمضي كل منّا في سبيله، بعد أن نعد بعضنا بلقاء قريب. لقاءٌ لن يحصل بالغالب.

الأمر نفسه تكرّر مع زملاء المدرسة الثانوية. الناس تحب أن تلتقي لتستعيد الأيام الخوالي. أيام تظن أنها أحلى من تلك التي نعيشها. ربما كان ذلك صحيحاً. مع ذلك، لم أتحمّس يوماً للمشاركة. كنتُ دائماً أهرب منها. ربما لأنني أخاف من اللحظة الحالية. وربما لأنني لا أحب تعداد منجزات الحياة أو التفكير بها. وربما لأنني أخاف من صورنا التي تغيّرت، ومن مشاعرنا التي "نَضجت"، ومن الأشخاص الذين ما عادوا كالصورة العالقة دوماً في الذاكرة.
مع ذلك، تحية ليوسف الذي كان دائماً متحمّساً لهذه اللقاءات.

***

كانت صورتهم جميلة عندما عادوا إلى المدرسة وجلسوا تحت شجرة الجميّز العتيقة. الشجرة نفسها التي يقال إن مار الياس جلس تحتها والتي ظلّلت أغصانها العجوز رؤوس أجيالٍ من تلامذة المدرسة.
حملوا أبناءهم وأتوا. وأصرّوا على أن يلتقطوا الصورة نفسها التي التقطوها في آخر عام دراسي قبل أن يتخرّج كلٌ منهم في طريق. تحادثوا، وضحكوا، وتذكّروا. لم يتمكّن الجميع من المجيء. ربما في مرةٍ أخرى، وربما لن يحصل. لكنهم التقوا ووثّقوا الصورة وأحضروا معهم الأبناء تأكيداً منهم على العمر الذي يمضي. كانوا جميلين جداً وكان اللقاء يليق بهم. وقد تواعدوا على أن يكرّروه، كلما استطاعوا ذلك.

في تلك الصورة، تحت شجرة الجمّيز العتيقة، كانوا يشعرون أنهم عادوا تلامذة لمرةٍ أخرى.

اقرأ أيضاً: مطعم السوسي
المساهمون