تبيّن لمواطنين عراقيين أنّ أجهزة الدولة لا تساعد في الكشف عن مصير أبنائهم المختطفين، فتولّوا بأنفسهم مهمة البحث
ثماني سنوات، ولم يفقد أبو عبد الله، الأمل في عودة ابنه الشاب الذي فُقد في طريق عودته من الجامعة عام 2011. رحلة البحث عن الابن الوحيد، والتي أنهكت الأب، كانت متعبة للغاية، ولم تنتهِ على خير، فحتى الآن لم يعرف مصيره.
يرفض أبو عبد الله مجرد التفكير في موت ولده، ويؤكد أنّه سيستمر في البحث عنه حتى آخر يوم من عمره. يروي الوالد ذو الأربعة والخمسين عاما، لـ"العربي الجديد"، رحلته مع البحث: "في صيف 2011 كان يؤدي عبد الله امتحاناته الجامعية، في كلية الصيدلة بجامعة بغداد، فتلقيت اتصالاً عند الظهيرة من صديقه المقرّب الذي أبلغني بأنّ مجموعة مسلحة بزيّ عسكري سحبته من الشارع واقتادته إلى جهة مجهولة حال خروجه من الجامعة". يتابع: "كانت صدمة لي ولوالدته، فتحركنا في بداية الأمر بشكل رسمي وقدمنا بلاغاً إلى الجهات الأمنية، لكنّنا لم نعرف مكانه، ولم تعترف أيّ جهة باختطافه". يضيف: "كنت أقصد يومياً مراكز الشرطة، التي سجلت في النهاية عملية الخطف ضدّ مجهول... حينها أيقنت أنّ الأجهزة الأمنية قد تكون عرفت الجهة الخاطفة لكن يمنعها الخوف من الكشف عنها، فقررت أن أبحث بنفسي، وأصبحت كما لو أنّي محقق أمني".
يوضح أبو عبد الله: "استنفرت أشقائي وأقاربي الذين تعاطفوا معي. بدأت بالتحرك معهم نحو مراكز الأمن داخل بغداد وخارجها. حراك يومي يبدأ من الصباح وحتى ساعات متأخرة من الليل، أعود فيها إلى البيت لأجد أم عبد الله وهي تبكي". يضيف: "توسطنا لدى فصائل المليشيات، وقصدنا شيوخ عشائر التقوا بعدد من تلك الفصائل، لكن لا معلومات عن ولدي". يتابع: "استطاعت بعض الجهات أن تستغل ذلك لتحقيق مكاسب مادية، إذ تلقيت اتصالاً هاتفياً من شخص مجهول أخذ مني جزية 10 آلاف دولار، مقابل إطلاق سراح الولد، لكن من دون جدوى... تركت عملي ووظيفتي الحكومية وأصبح عملي اليومي هو البحث عن ولدي... أصبحت اليوم أواصل البحث مع سبعة أشخاص يبحثون عن أبنائهم أيضاً". ويقول: "التقيت بعشرات من المفرج عنهم من سجون المليشيات، ومن نجوا من عصابات الخطف. في أيّ محافظة أسمع فيها حول الإفراج عن سجين أو مختطف أذهب إليه، لكن لم أحصل على أيّ معلومة تخص ولدي". يشدد: "لن أفقد الأمل في العثور عليه. أشعر أنّه على قيد الحياة... وسأواصل البحث عنه حتى آخر يوم من عمري".
مسؤول عراقي رفيع في وزارة الداخلية يقول إنّ "الحكومة الحالية لم تتخذ أيّ إجراءات لمساعدة ذوي المفقودين في العثور على أبنائهم، لأنّ الموضوع سياسي، والخاطفين من المليشيات". يضيف، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحكومة تتجنب المشاكل مع فصائل مسلحة صارت الآن تحتل مقاعد برلمانية". يؤكد: "لا تريد الحكومة أن تزجّ نفسها في ملفات معقدة، فهناك مئات من المفقودين واجهوا القتل، كما أنّ مئات منهم في سجون سرية لدى المليشيات، ومثلهم في السجون الحكومية". يشير إلى أنّ "الجهات القانونية تتابع ملفات السجناءـ ويجري إطلاق سراحهم تباعاً، وفقاً للتحقيقات".
عضو التيار المدني العراقي، أحمد الكناني، يشير، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إلى أنّ عدد المختطفين أو المغيبين قسراً يتجاوز 13 ألف عراقي، غالبيتهم تتورط مليشيات ضمن الحشد الشعبي في خطفهم لدوافع طائفية. يبين أنّ هذا العدد غير موثق، وقد يكون أكثر بكثير، والمشكلة أنّ آمال العثور عليهم أحياء تتضاءل.
كان مركز بغداد لحقوق الإنسان قد طالب، في وقت سابق، بتدخل أممي عاجل لإنقاذ "المختطفين في سجون المليشيات"، مؤكداً وجود آلاف المدنيين الأبرياء في معتقلات خاصة، ومشيراً إلى أنّ "جرائم الإخفاء القسري" للمدنيين مستمرة في البلاد.
وأكد البيان أنّ آلاف المختطفين يقبعون "في سجون سرية تابعة لمليشيات، في ناحية جرف الصخر شمالي محافظة بابل (وسط)، وهذه السجون عبارة عن مدارس ومنازل احتلتها المليشيات وحوّلتها إلى مراكز للاعتقال".
وفي فبراير/شباط الماضي، أعلنت الشرطة العراقية عن العثور على مقبرة جماعية ببلدة لم يدخل إليها تنظيم "داعش" ولم تشهد أيّ فوضى أمنية، في المحاويل شمالي محافظة بابل، وهي من معاقل المليشيات العراقية حالياً. وقال النائب في البرلمان، رشيد العزاوي، إنّه جرى فتح تحقيق في الحادث، لكنّ أيّ تفاصيل جديدة لم تكشف عنها الشرطة حول الجريمة.
ويعدّ ملف المختطفين في العراق واحداً من أكثر الملفات تعقيداً، إذ إنّ جهات كثيرة من بينها جهات حزبية وأخرى ذات نفوذ في الدولة ضالعة فيه، بينما لا يجد الأهالي أيّ جهة رسمية تدعمهم في التوصل إلى خيوط تكشف مصير أبنائهم.