تلاميذ إدلب.. القصف يهدد حياتهم وامتحاناتهم

01 يوليو 2016
بعضهم قُصفت مدارسهم (فيليب ديسمازيس/ فرانس برس)
+ الخط -
في حروب الكبار يعاني الصغار. عدا عن القتل والجوع، يجد تلاميذ إدلب السورية أنفسهم مهددين في فرصهم التعليمية، ما يعرّض مستقبلهم ككل للخطر

يعاني تلاميذ المدارس في محافظة إدلب، شمال سورية، من تدني فرص التعليم، مع تعرض المحافظة إلى قصف دائم من الطيران الحربي الروسي والقوات النظامية. يترافق ذلك مع عدم مبادرة المنظمات الإنسانية، خصوصاً الدولية، إلى إنقاذهم من هذه البيئة العنفية وتأمين الحماية اللازمة لهم، عبر العمل على تحييدهم عن الصراع المسلح، أو في أقل تقدير تأمين أبسط حقوقهم في التعليم والطبابة والغذاء.

ليلى تلميذة من إدلب (18 عاماً) تستعد لتقديم امتحانات الشهادة الثانوية، وتحلم بأن تصبح طبيبة. تقول لـ"العربي الجديد": "الامتحانات النهائية في 13 يوليو/تموز الجاري، ولا أدري إن كنت سأعيش كي أجريها. منذ أيام قُصف المنزل المجاور لمنزلنا، ومات معظم سكانه. وقبلها قُصف السوق. لا أعلم متى ينزل على رأسي صاروخ أو برميل متفجر". تضيف: "أدرس وأذني في الخارج، أترقب سماع صوت انفجار جديد. معظم الأيام أتوقف عن الدراسة مع غياب الشمس بسبب عدم توفّر الكهرباء. هناك أزمة بالنسبة لدي في تأمين القرطاسية من أقلام وأوراق". تستدرك: "لكني أحلم بأن أحصل على منحة دراسية في إحدى الجامعات التركية، فوضع عائلتي الاقتصادي لن يسمح لي بمتابعة دراستي من دونها".

من جانبه، يقول عمر (15 عاماً) وهو نازح إلى إدلب من دير الزور: "الامتحانات على الأبواب. أواظب على الدروس، لكن عدم توفر الكهرباء والقصف يمنعاني من الدراسة في كلّ الأوقات. أبي يقول لي إن استمر القصف لن يسمح لي بالتقدم إلى الامتحانات، خصوصاً بعدما قصفت مدرستي قبل فترة، لكن من دون أن يكون فيها أحد لحظتها". يضيف: "أحب المدرسة وأحلم بأن أصبح مهندساً، لأبني منزلنا الذي دمر في دير الزور، وكذلك مدرستي في إدلب".

بدوره، يقول مدير الدائرة الإعلامية في "مديرية التربية والتعليم في إدلب"، مصطفى الحاج علي النيرب، لـ"العربي الجديد" إنّ التعليم في المدينة يعتبر مقبولاً نسبياً في هذه الظروف التي تعاني منها البلاد. يتابع: "الأمم المتحدة المنحازة فقط للنظام، اعترفت بدعمه بملايين الليرات السورية من أجل التعليم. لكنّ النظام لا يصرف سوى نفقات الرواتب للمدرسين، ويوعز لحواجزه في طريق العودة لسلبهم نصفها".

يشير: "أنشئت دائرة تربية حرة تحمل اسم مديرية التربية والتعليم في إدلب تتعامل مع جميع المؤسسات والكيانات الثورية المعارضة من حكومة مؤقتة وغيره. وبالرغم من أنّها تستقبل التبرعات من مختلف الجهات لتصب في صندوقها ويجري توزيعها على العاملين والمدارس، إلاّ أنّها لا تغطي المتطلبات، مع وجود 4600 موظف معظمهم مدرسون، موزعين على 8 مجمعات في المحافظة هي: مجمع إدلب، ومجمع أريحا، ومجمع خان شيخون، ومجمع جسر الشغور، ومجمع كفرنبل، ومجمع أطمة الحدودي، ومجمع معرة النعمان، ومجمع حارم. كما يوجد عدد من المنظمات المستقلة تعمل في قطاع التعليم".

يتابع: "المناهج الدراسية فيها كتب عالية الجودة نقحت من دعايات البعث ودروس القومية المزيفة والأقوال الخادعة للنظام. كما أن هناك بعض الكتب العلمية المعتمدة لدى النظام والتي كانت في مستودعات التربية".


وحول مدى الاعتراف بالشهادات التي تمنحها المديرية، يقول النيرب إنّ "الشهادة الإعدادية تكفي أن نعترف بها نحن، لأنّ التلاميذ سيتابعون في مدارسنا. الشهادة الثانوية معترف بها من كلّ الجامعات في الداخل السوري الخاضع للمعارضة، ومنها جامعة حلب التابعة للائتلاف، والتي ترعاها تركيا وتعترف بها، بالإضافة إلى اعتراف جامعات تركيا بها".

يتحدث عن الصعوبات التي تواجه العمليات التعليمية: "أهمها قلة الدعم المادي لآلاف المدرسين. نحو 60 في المائة منهم لا يحصلون على رواتب بشكل دوري. وكذلك عدم ترميم المدارس المتضررة من الأعمال العسكرية. وأخيراً تواصل القصف الجوي الممنهج خلال الفترة الماضية، والذي طاول عدداً من المدارس التي ضغطت برامجها وأنهتها بسرعة. نعدّ بطاقات الامتحانات والمراكز والعاملين بالامتحانات هذا العام بشكل سري داخل الملاجئ، خوفاً من الغارات الروسية وطيران النظام، التي استهدفت مباني الكتب المدرسية أخيراً، ما تسبب في مقتل 9 موظفين. كما استهدفت غارات روسية أيضاً مستودعات الكتب، ما تسبب في خروج أجزاء منها عن الخدمة، وتدمير آلاف الكتب الخاصة بالمعارضة، وذلك في إدلب المدينة". يتابع: "اليوم نتخوف من غارات مماثلة تصيب تلاميذنا في الامتحانات العامة التي سيتقدم إليها الآلاف".

يوجه النيرب رسالة إلى المجتمع الدولي عبر "العربي الجديد": "إذا بقي الوضع الحالي كما هو عليه الآن، من دون دعم رسمي للتربية والتعليم في إدلب، فإنّ آلاف التلاميذ سيعيشون بلا تعليم ولا مستقبل، وعلى المجتمع الدولي أن يضغط على المنظمات الدولية المختصة بالتعليم، خصوصاً منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، كي تقبل أن تسمعنا وترى ما لدينا من إمكانات وحجم عمل وتضخم في المسؤوليات، وبذلك تؤدي ما تزعم أنه هدفها".

يعرب ناشطون عن مخاوفهم، من جراء تراجع المستوى التعليمي في مختلف الأراضي السورية، الأمر الذي يدفع التلاميذ إلى التسرب من التعليم والانخراط في المليشيات المسلحة، خصوصاً التكفيرية في العديد من المناطق كالرقة ودير الزور. وقد يدفع العائلات إلى الهرب بأبنائها إلى دول اللجوء، باحثين عن مستقبل أفضل لهم، علماً أنّ هناك أعدادا كبيرة من الأطفال السوريين مضت عليهم سنوات منقطعين عن الدراسة، ومسلوبين أبسط حقوق الأطفال، ما يهدد بوجود جيل في سورية لا يعي سوى الحرب والموت والعنف.

يرتبط ذكر سورية عالمياً بأخبار العنف والقتل، لكنّ الإرادة الدولية تغيب تماماً عن إنهاء مآسي الشعب السوري، أو الحد منها على أقل تقدير. تتعامل المنظمات الإنسانية مع ملايين المدنيين السوريين من أطفال ونساء بحسب الجهة المسيطرة على الأرض. وبذلك، تفقد حيادها، ويُحرم من جراء التداخل المعقد بين الفصائل المسيطرة على الأرض مئات آلاف الأطفال من أبسط حقوقهم، وأهمها التعليم. وهو ما يجعلهم فريسة سهلة للتنظيمات التكفيرية التي تسعى دائماً إلى استقطاب المزيد من المقاتلين.

17500 متقدم إلى الامتحانات
في محافظة إدلب نحو 17 ألفاً و500 تلميذ يستعدون لتقديم امتحانات الشهادات الإعدادية والثانوية والمهنية. ويبلغ عدد التلاميذ في الإعدادية 5636 ذكراً، و6124 أنثى. وفي الثانوية يبلغ عدد الذكور في القسم الأدبي 1441 والإناث 1585، وفي القسم العلمي 1227 ذكراً و1451 أنثى. أما التعليم المهني فيضم 35 ذكراً و24 أنثى.
المساهمون