أكبر سجون العالم.. أقليّات أميركا وراء القضبان

13 يونيو 2016
يستعدّون لتناول الغداء (جون موور/Getty)
+ الخط -
تحتلّ الولايات المتّحدة الأميركيّة المرتبة الأولى عالميّاً في ما يتعلّق بعدد السجناء، الذين يقدّرون استناداً إلى إحصاءات رسميّة بـ 2.2 مليون شخص، ثمانية في المائة منهم محكومون بالسجن المؤبّد. هذا الرقم المخيف، الذي سجّل زيادة بنحو خمسة أضعاف على مدى العقود الأربعة الأخيرة، لم يترافق مع زيادة في نسبة الجرائم. على العكس، فقد سجّلت نسبة الجريمة تراجعاً في البلاد. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ غالبيّة الولايات تمنع السجناء من الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات خلال فترة سجنهم، وحتى بعد خروجهم من السجن. كذلك، في السجون عدد لا بأس به من الأقليات كـ "اللاتينو" (الأميركيون المتحدرون من دول أميركا اللاتينية)، والأميركيون من أصول أفريقية (السود).

إذاً، لا تقتصر تبعات الأمر على التمثيل والتمكين السياسي، بل هناك العبء الاقتصادي، علماً أنّ مليارات الدولارات تُقضم من ميزانية الدولة سنوياً. وبحسب إحصاءات رسميّة صادرة عام 2013، فقد يتجاوز الرقم خمسين مليار دولار أميركي، علماً أنّ بالإمكان استثمار هذا المبلغ في تعليم هؤلاء أو تأهيلهم.
في هذا الإطار، ليس مستغرباً أن نرى الرئيس الأميركي باراك أوباما وهو يحاول تسليط الضوء على هذه القضية، وزيارة أكثر من سجن، واستخدام صلاحياته لتسريع إقرار بعض الإصلاحات، ودعم سنّ قوانين جديدة، وما إلى ذلك. وتأتي الأرقام المخيفة المذكورة أعلاه نتيجة لممارسات تعسفية للشرطة وأخرى للقضاة، بالإضافة إلى سنّ مئات القوانين على المستوى الفدرالي والولايات في العقود الأربعة الأخيرة، في ما عُرف بسياسات "تشديد العقوبات على الجرائم" حتى البسيطة منها، انطلاقاً من فكرة أنّ العقوبات الشديدة تؤدّي إلى الردع.

تشريعات عبثيّة

عن هذه السياسات، يقول رئيس مركز أحكام العقوبات (مركز حقوقي مستقلّ مقرّه واشنطن) مارك ماوور لـ "العربي الجديد": "يفترض أن يكون السجن المكان الأخير الذي نرسل شخصاً ما إليه لحماية المجتمع منه. وما حدث هو أنّ السياسيين الأميركيين في العقود الأخيرة بدأوا يسنّون عدداً مخيفاً من التشريعات المختلفة على المستوى الفدرالي أو الولايات، تحت مسمّيات الحرب على المخدّرات وغيرها، ما أدّى إلى فرض عقوبات صارمة وأحكام بالسجن لا تعكس بالضرورة حجم الجرائم المرتكبة. هذه التشريعات ساهمت في ترسيخ الفروقات الطبقية والإثنية، لأنّ نسبة لا بأس بها من الفقراء هي من الأقليات".
بحسب إحصاءات مركز أحكام العقوبات ومبادرة سياسة السجون، فإنّ نحو 40 في المائة من المعتقلين والموقوفين هم أميركيون من أصول أفريقية، وتقدّر نسبتهم في الولايات المتحدة بنحو 13 في المائة. أمّا البيض، فتقدّر نسبتهم بنحو 64 في المائة من مجموع السكان، إلا أنّ نسبتهم بين السجناء تصل إلى نحو 35 في المائة فقط.

ولا تعود أعداد السجناء الكبيرة، خصوصاً من أبناء الأقليات، إلى التشريعات العبثية والصارمة فقط، بل أيضاً إلى ممارسات قوات الشرطة وتوقيفها أبناء الأقليات من السود واللاتينو من دون سبب واضح ولأسباب عنصرية، بالتالي الحكم عليهم جميعاً بأنّهم مجرمون أو يتاجرون بالمخدّرات. صحيح أنّ الولايات المتحدة تخلت عن تاريخ طويل من العنصرية من خلال إقرار قوانين تراعي الحقوق المدنية للجميع، إلا أنّ الأمور تبدو أكثر تعقيداً على أرض الواقع.
في هذا السياق، يوضح ماوور أنّ بعض ممارسات الشرطة تندرج تحت عنوان الاستهداف العنصري، قائلاً إنّ "الإحصاءات تشير إلى أنّ الشرطة تعمد إلى توقيف وتفتيش مجموعات معيّنة أكثر من البيض". يضيف أنّ في بعض مراكز الشرطة، تعمد عناصر إلى تسطير مخالفات سير وإظهار صرامة في التعامل، وذلك يدرّ المال على الخزينة.

كذلك، يلفت ماوور إلى وجود تفاوت في الأحكام، فتكون مخففة في حال كان مرتكب الجرم نفسه شخصاً أبيض. يضيف أنّ "استخدام مخدّر الكراك يعدّ أكثر انتشاراً بين السود بالمقارنة مع الكوكايين. وإذا نظرنا إلى الملفات في المحاكم، نجد أنّ عقوبة امتلاك الكمية نفسها من الكراك أكثر صرامة من امتلاك الكوكايين، ما يدلّ على ازدواجية المعايير في ما يتعلق بالنظر إلى الجرم نفسه أو آخر مشابه". ويوضح أنّ 80 في المائة من المحكومين بقضايا حيازة الكراك هم أميركيون من أصول أفريقية، مؤكداً أنّ الأمر في كثير من الأحيان يتعلق بقرارات مختلفة تتّخذ على مستويات عدّة من قبل الشرطة أو المدّعي العام أو القضاة أو التشريعات. ويرى أنّ بعض هذه الأحكام قد لا تكون ناتجة عن عنصرية مقصودة، بمعنى أنّ الشخص لا يعي أنه يتصرّف بعنصرية. ببساطة، يمكن أن "تكون لديه آراء مسبقة ومعايير مزدوجة في التعامل".

أنظمة معقّدة

في الولايات المتحدة الأميركية سجون عدة، منها الفدرالية وسجون الولايات، وأخرى خاضعة لتدابير أمنية عالية جداً. ويمكن تقسيمها إلى اثنين: سجون خاصة بالموقوفين الذين ينتظرون محاكمتهم ولا يملكون المال لدفع كفالة، ما يضطرهم إلى البقاء في السجن. وعادة ما تضمّ المحكومين بفترات قصيرة نسبياً تصل إلى أقلّ من سنة. وثمّة أيضاً السجون المخصصة للذين يقضون أحكاماً طويلة.
هذه الأقسام تظهر وجود تعقيدات في الأنظمة التي تتّبعها تلك السجون بحسب نوعية الجرم. فالسجون الفدرالية تحتجز هؤلاء الذين ارتكبوا جرائم كالهجرة غير الشرعية والتهريب والاتجار بالمخدرات وغيرها. اللافت أنّ بعض هذه السجون الفدرالية تديرها شركات خاصة، ما يثير انتقادات إذ تجني الشركات أرباحاً طائلة بسبب إدارتها للسجون. في هذا السياق، يشير باوور إلى أنّ نسبة السجناء في السجون الفدرالية تقدّر بنحو 13 في المائة من المجموع الكلي. أما السجون الخاصة، فتضم نحو ثمانية في المائة من عدد السجناء. يضيف: "صحيح أنّ هذه مسألة إشكالية، لكنّني لا أعتقد أنّ هذا هو السبب الرئيسي لازدحام السجون. وتتمثل العقدة الرئيسية في التشريعات. لكن ثمّة محاولات من الحكومة الفدرالية لإطلاق مجموعة إصلاحات في هذا الشأن".



إلى ذلك، فإنّ لاحتجاز هذا العدد الكبير من المواطنين في السجون تبعات سياسية تتعلق بتمكينهم السياسي وحقهم في التصويت في الانتخابات. وتمنع غالبية الولايات السجناء أو حتى محكومين سابقين من حقّهم في الانتخاب. في هذا الصدد، يوضح باوور أنّ هذه القوانين تختلف من ولاية إلى أخرى. وينصّ بعض هذه القوانين على أنّ في حال ارتكاب جريمة، يمنع الشخص من التصويت لفترة معينة. وفي بعض الأحيان، يبقى الأمر سارياً حتى بعد انقضاء محكوميته. أمّا في ما يتعلق بالولايات التي تسمح بالتصويت للسجناء، فهي قليلة ومن بينها ولاية ماين وفيرمونت، ويمكن للسجناء التصويت من داخل السجن. وفي 35 ولاية أخرى، لا يمكن التصويت إذا كان الشخص قد خرج من السجن بكفالة أو ما زال تحت المراقبة. وفي 12 ولاية، لا يمكن التصويت حتى بعد قضاء الحكم.
ويشير باوور إلى أنّ 5.4 ملايين شخص في الولايات المتحدة لا يمكنهم التصويت في الانتخابات، غالبيتهم من الأقليات، علماً أنّ بإمكان هذه الأصوات أن تؤثر على نتائج الانتخابات في يومنا هذا. يضيف أنّ ولايات عدّة عمدت خلال السنوات الأخيرة إلى التخفيف من هذه القوانين، وسمحت لعدد أكبر بالانتخاب أو المشاركة في الحياة السياسية.
بالإضافة إلى ما ذكر سابقاً، تشير إحصاءات إلى أنّ نحو 400 ألف من هؤلاء المساجين يعانون من أمراض واضطرابات نفسية. أمّا عدد الذين يحصلون على علاج نفسي في المستشفيات الحكومية يصل إلى نحو 35 ألف شخص فقط، بحسب الاتحاد القومي للأمراض النفسية.

يبدو أنّ الولايات المتحدة تتّجه إلى تغيير هذه السياسات لأسباب عدّة، منها التكاليف المرتفعة والأزمة الاقتصادية التي أجبرت حكومات عدّة على تقليص ميزانياتها. كذلك، بات الأميركيون أكثر وعياً في ما يتعلق بعدم جدوى الأحكام الصارمة، عدا عن أنّ بعضها يتضمّن تمييزاً ضدّ الأقليات ويساهم في زيادة الفروقات الطبقية. تجدر الإشارة إلى أنّه على الرغم من وجود تفاؤل، إلا أنّ من المستبعد أن تكون التغييرات جذرية في جميع الولايات، خصوصاً لناحية تعديل التشريعات.