ضحايا احتجاجات العراق في صور

16 نوفمبر 2019
هل يتحوّل "أيقونة"؟ (مرتضى سوداني/ الأناضول)
+ الخط -

في الآونة الأخيرة، راحت صور العراقيين الذين سقطوا ضحايا تنظيم داعش تُستبدَل بصور أخرى تعود لضحايا الاحتجاجات التي انطلقت في العراق في بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لا سيّما في الشوارع والأحياء التي كان يسكنها هؤلاء. ولعلّ ما يميّز صور الضحايا الحاليين، بحسب ما يقول كريم حسين الذي فقد شقيقه علي أخيراً، هو أنّهم "تحوّلوا إلى أيقونات يدفعون مواطنيهم من خلال تضحياتهم إلى مواصلة الاحتجاج حتى تحقيق مطالبهم".

ويخبر كريم "العربي الجديد" أنّ علي الذي كان يصغره بعشرة أعوام "فاجأ العائلة والجيران وجميع من يعرفه. فهو التحق بالاحتجاجات منذ اليوم الأوّل ولم يلتزم بتحذير والده الذي أوصاه بالبقاء بعيداً عن قوّات الأمن وبالعودة إلى المنزل في حال تعرّضه للقمع". يضيف أنّ "علي لم يكن معروفاً باهتمامه بالسياسة ولم يخرج في تظاهرات من قبل. هو كان في الثامنة عشرة من عمر ومهووس بنادي الزوراء، فلا يفوّت مبارياته في الملاعب". يضيف كريم أنّ "علي بقي في الشارع لمدّة ثلاثة أيام، رافضاً العودة إلى المنزل. وبحسب ما يقول زملاؤه المحتجون، فهو كان يواجه القوات الأمنية بالهتافات ويرفع علم العراق. لكنّ نصيبه كان طلقة نارية استقرت في صدره وأردته قتيلاً". يُذكر أنّه بعد سقوط علي، طبع جيرانه في بغداد صوراً له بأحجام مختلفة، إحداها بارتفاع مترَين وعلّقوها في الشارع الرئيسي المؤدّي إلى منزل عائلته، إلى جانب صور أخرى علّقت بالقرب من ساحة التحرير.

ويتكرّر المشهد في أكثر من منطقة، منها مدينة الصدر الواقعة شرقيّ بغداد. فيها، راحت تنتشر صور لعراقيين في العشرينيات من العمر سقطوا في الاحتجاجات الأخيرة، بعضها وُضع إلى جانب أخرى لشبّان قُتلوا على يد تنظيم "داعش" فيما حلّ بعض آخر محلّ صور من قتله التنظيم قبل أعوام. في السياق، حرص موسى فريح طويلاً على صور كبيرة طبعها على نفقته الخاصة وعلّقها على عمود أمام محلّه، قائلاً لـ"العربي الجديد": "لطالما تألّمت وأنا أنظر إلى تلك الصور التي تعود إلى شبّان في مقتبل العمر من أبناء جيراني سقطوا في مواجهة تنظيم داعش بعدما تطوّعوا لقتاله". في النهاية، امتثل فريح لطلب جيرانه وتخلّص من تلك الصور لأنّها تؤذي ذوي هؤلاء الشبّان كلّما طالعتهم، غير أنّه يؤكّد تمسّكه بصورة أحمد الذي قُتل أخيراً في الاحتجاجات. بالنسبة إليه "هو بطل وعلينا أن نفتخر بأبطالنا". يضيف: "أنا اليوم أفرح كثيراً حين أرى صورة أحمد واستذكر قصص الشباب الذين تطوّعوا لقتال داعش. هؤلاء جميعاً يبعثون فينا نحن كبار السنّ، الأمل بأنّ بلدنا بخير ومستقبل بلدنا بخير... وثمّة مئات الآلاف يتظاهرون اليوم ويواجهون القمع بكل شجاعة".



من جهتها، صارت ساحات الاحتجاج أشبه بمعرض لصور الضحايا، لا سيّما الشبّان الذين تحوّلوا إلى رموز ومنهم صفاء السراي ومرتضى عادل ومحمد حبيب وغيرهم. ويقول عبد الهادي الزهيري في سياق متصل لـ"العربي الجديد"، إنّ "قصص الشبّان من قتلى الاحتجاجات اليوم يتناقلها العراقيون في كلّ مكان. من لم يشاهد بأمّ عينه بطولات هؤلاء، سواء في مواجهة قمع القوات الأمنية، فإنّه قادر على استعادتها من خلال تسجيلات فيديو لا تُحصى توثّق بطولات شبابنا". يضيف: "أنا ومجموعة كبيرة من كبار السنّ في حيّ الكرادة (وسط بغداد) حيث أسكن، أخذنا على عاتقنا زيارة مجالس عزاء قتلى الاحتجاجات في أيّ مكان من بغداد"، موضحاً أنّ "مجالس عزاء شهداء الثورة (الاحتجاجات) تختلف عن أيّ مجالس أخرى، وهي تستقطب أعداداً كبيرة من المعزّين. فالضحايا اليوم هم جميعهم أبطال بكلّ تأكيد، ولا بدّ من المباركة لذويهم الذين يتوجّب عليهم اليوم الشعور بالفخر لا الحزن".



لا تتوفّر إحصاءات دقيقة لعدد الضحايا الذين سقطوا في الاحتجاجات الأخيرة في مختلف مدن العراق، وذلك نتيجة التعتيم الرسمي. لكنّ لجنة حقوق الإنسان البرلمانية تشير بحسب آخر بياناتها إلى مقتل 319 شخصاً وإصابة أكثر من 15 ألفاً آخرين بجروح. من جهتها، تفيد مصادر طبية ومسعفون من قلب مواقع الاحتجاجات، "العربي الجديد"، بأنّ عدد القتلى تخطّى 320 عراقياً في حين بلغت الإصابات نحو 16 ألفاً آخرين.