مبادرات تونسية لإعادة تدوير النفايات

16 يناير 2020
لا بدّ من إعادة تدويرها (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
يزداد الاهتمام في تونس بإعادة تدوير النفايات المنزلية، في ظل التزايد المستمر للسكان وعدم القدرة على استيعاب آلاف الأطنان من النفايات، التي لا تُفرَز ولا تجد الدولة فضاءات لإيداعها، والتي تساهم في تلوّث البيئة والمحيط. تونس من البلدان القليلة التي تردم النفايات والفضلات، على الرغم من إمكانية تثمينها وتحويلها إلى مصادر أخرى للطاقة أو السماد.

ويؤكّد صاحب الابتكارات في المجال البيئي الأسعد الزواري لـ"العربي الجديد" أنّنا في حاجة ماسة إلى إعادة تدوير النفايات والعمل في مجال التنمية المستدامة لتحويل النقاط السوداء إلى أخرى جميلة. ويشير إلى أنه نجح في تحويل مصب للفضلات إلى مركز ثقافي أصبح ملاذاً للعديد من الزوار. ويبيّن أن تونس في حاجة إلى مشاريع جديدة بعيداً عن تلك التقليدية.

يضيف الزواري أن غالبيّة البلديات ما زالت تعمل بوسائل تقليدية ونظرة قديمة، وتستعمل الحاويات منذ عشرات السنين وترفع الفضلات بالآليات، على الرغم من أن أسعار غالبية الحاويات مرتفعة. وكلّ نقطة سوداء (ملوثة) في تونس تتطلب نحو 50 ألف دينار سنوياً من حاويات وتنظيف. على الرغم من ذلك، سرعان ما تعود كما كانت. ويوضح أنه ابتكر مشروع الحاوية الذكية التي تعمل بالطاقة الشمسية والحاويات نصف المطمورة، وسميت ذكية لأنها تنظف نفسها بنفسها، بل تشجع المواطنين على إلقاء القمامة داخلها نظراً لجماليتها، ولأنها لا تعطب بسرعة. كذلك فإنها تتسع لعشرة أضعاف من الحاويات التقليدية من دون أن تفوح منها روائح كريهة. ويبيّن أنه يمكن تنظيف تونس وإحداث التغيير المطلوب وإنشاء مشاريع صديقة للبيئة ومختلفة كلياً عن تلك التقليدية.

ويقول الزواري إنه لا بد من تكريس ثقافة جديدة لإزالة النفايات وحماية البيئة، لافتاً إلى أن الحاويات الذكية تشجع على فرز النفايات. يضيف أنه بادر إلى تقديم مقترحات عدة لتنظيف المدن تحت شعار "نظف البلاد وشغل الناس"، مضيفاً أنّ الدولة عندما تعتمد مشروع تثمين النفايات وإعادة تدويرها، فإن ذلك يكلفها آلاف المليارات، ونحو خمس سنوات لدراسة المشروع، وبعدها البحث عن ميزانية، ثم خمس سنوات للتنفيذ، ما يساهم في تعطيل المشاريع في هذا المجال، في حين أن لدى آخرين مبادرات أقل كلفة وفاعلية.

ويشير الزواري إلى أن العديد من الدول المتقدمة مثل الصين، بدأت في تثمين النفايات وإعادة تدويرها بوسائل بسيطة. كل حيّ يثمّن النفايات في مركز خاص به، لأن إرسال النفايات إلى مراكز بعيدة يعدّ هدراً للوقت والجهد، مضيفاً أن التثمين في الأحياء يساعد على تشغيل النساء، ويمكّن السكان من استخراج السماد من النفايات المنزلية وبوسائل وتقنيات سهلة. ويقول إنه يهتم بتعليب السماد ثم تصديره إلى الخارج أو استغلاله في الداخل، موضحاً أن هذه المشاريع توفّر سوقاً وإعادة للتشغيل ليس فقط لحاملي الشهادات العليا، بل أيضاً للتقنيين والمهنيين والشباب في مجالات أخرى. ويقول إنه يتولى تصدير الحاويات إلى تركيا وقريباً إلى المغرب والجزائر، في حين أن تونس لا تستفيد كثيراً من المشاريع لغياب القرار السياسي.

من جهته، يرى فوزي السافي، وهو صاحب مشروع لإعادة تدوير النفايات المنزلية، أنه اختار حيّاً في رواد لفرز النفايات المنزلية وتحويلها إلى سماد، بالتنسيق مع الوكالة الوطنية لحماية المحيط والبلدية. يضيف لـ"العربي الجديد" أنه جرى توزيع 20 حاوية على عينة من السكان، ما مكّن ربات البيوت من فرز النفايات وتقسيمها إلى نفايات عضوية وأخرى غير عضوية، وفرز أوراق الأشجار التي يمكن استعمالها في حدائق البيوت والحدائق العامة. يضيف أن بقايا الخضر وأوراق الأشجار والشاي والقهوة تجمع وتقلب بعد يوم، ثم يعاد تدويرها، وتُعَدّ موادّ غنية للتربة ولا تبعث روائح كريهة.



ويؤكد أنّ هذه العملية تقلص من النفايات المنزلية بنسبة 70 في المائة، وخصوصاً تلك التي تلقى في القمامة ويمكن تركيزها في المدارس والجامعات والأحياء والمنازل. ويبين أنّه يجب تركيز الحاويات في كل النقاط السوداء.

إلى ذلك، يقول محمد الماسني، وهو صاحب مشروع بيئي، لـ"العربي الجديد"، إنّ المشروع الذي أشرف عليه يأتي في إطار شراكة مع بلدية أريانة وسط تونس، وانطلق منذ عام 2015. خلاله، وزعت 36 آلة ذكية منحت من الاتحاد الأوروبي لفرز النفايات البلاستيكية والغازية في المؤسسات التربوية وجمعها، ثم إعادة تدويرها وتوزيع جوائز على التلاميذ.

ويشير إلى أن هذا المشروع يشمل ست دول من دول البحر المتوسط، منها تونس ومصر ولبنان وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا. يضيف أن المشروع حقّق نجاحاً كبيراً في انطلاقته، وجمع عشرة آلاف عبوة وفرت على البيئة كميات كبيرة من النفايات. لكنه الآن يمر بصعوبات، على الرغم من أنه كان يفترض تنفيذه في محطات النقل أيضاً، على أن يحصل المسافر على تذاكر مجانية.

ويبيّن أن لديه مشروعاً آخر يتمثل بإعادة تدوير النفايات الخضراء، التي تسبب إزعاجاً في المحيط لصعوبة التخلص منها، مضيفاً أنها تُعجَن بآلة خاصة، وتصبح أكواماً، ثم تثمَّن وتحوَّل الى سماد عضوي طبيعي، وقد أُنتجَت كميات هامة انطلقت بأربعين طناً، ثم أصبحت 200 طن.



ويؤكّد المهتم بالقضايا البيئية سليمان بن يوسف لـ"العربي الجديد" أنّ الحدّ من النفايات البلاستيكية من قوارير ومعلبات وأكياس وغيرها، التي تشوه جمالية المدن، أمر ضروري. ويوضح أنه كمرحلة أولى، أُنشت منظومة شبكة أحباء البيئة لتمكين عدد من حاملي الشهادات العليا من إنشاء مؤسسات صغيرة وإدارتها في هذه المجال، وتوفير موارد مالية تمكنهم من تدبر مصاريف التشغيل والمعدات ووسائل النقل وتحقيق أرباح جيدة.

يضيف: "لا بد من العمل بجدية لإعادة تدوير النفايات، كالبلاستيك والورق والمعادن والفضلات العضوية، خصوصاً أنها قابلة لأن تتحول إلى سماد عضوي. وتقدّر النفايات العضوية في تونس بـ 2,2 مليون طن سنوياً، ومعدّل النفايات المنزلية ستة كيلوغرامات للفرد يومياً، مشيراً إلى أنه يجب تكثيف الجهود والقدرات من أجل تسريع العمل على إعادة تدوير النفايات كأولوية تنموية وبيئية ترصد لها المزيد من الحوافز وتسنّ لها التدابير وتوضع لها الخطط. وهذا يؤدي إلى تحسين القطاع الزراعي، فيستفيد الفلاحون وتتحرك عجلة المشاريع الصغيرة في معظم مناطق البلاد.


دلالات
المساهمون