الآتي أفظع

18 يوليو 2016
... للبحث عن "بوكيمون" (أوليفيا هاريس/ Getty)
+ الخط -

وفي ذلك الزمن، كانت الألعاب الإلكترونية عبارة عن ماكينات "فليبرز" عملاقة. نقف مشدوهين أمامها في الصالة السفلى لسينما "سميراميس" في منطقة الزيدانية. وكانت الصالة تضم ألعاباً متنوعة من بينها الملاكمة، وقتال الشوارع، وكرة القدم، والقنص، وسباق الدراجات النارية.

أما لعبتا القنص والدراجات النارية فكانت لهما متعة خاصة، إذ لم تكونا مجرّد آلتين بأزرار مثل بقية الآلات فحسب، بل كان مسدس لعبة القنص خارجياً. يحمله الواحد منّا بيده ويوجّهه نحو الشاشة العملاقة، فيصدّق أنه تحوّل إلى "كاوبوي" حقيقي في اللعبة. أما الدراجة النارية فقد كانت جسماً بلاستيكياً صلباً صنع على شكل الدراجة النارية الحقيقية بالضبط. يجلس الواحد عليها فيشعر كأنه يقود دراجة حقيقية. وكانت لهذه الدراجة القدرة على التمايل نحو اليمين ونحو اليسار ما يعطي اللاعب مساحةً للمناورة على الشاشة بين الدراجات النارية الأخرى، ويزيد من حماسة اللعبة.

كلّ لعبة من هذه الألعاب كانت تبتلع قطعة نقدٍ حجرية. وكنا ننزل إلى الصالة سرّاً فما نفعله كان يُعدّ "حراماً"، بحسب الأهل، الذين اعتبروا بأن هذه الألعاب تصنّف تحت خانة "القمار".

حدث ذلك إلى أن خرجنا من المنطقة وذهبنا إلى شارع الحمراء، ومن ضمن ما اكتشفناه كان صالة "البيكادلّي" التي كانت تحوي ماكينات حديثة وطاولات بليار، ما زاد من انبهارنا بهذه الألعاب. وصارت هذه الأماكن هدفاً بالنسبة إلينا في سني المراهقة، نحن الجيل الذي جاء من عالم الأتاري. والأتاري كانت لعبةّ منزلية غاليةً لا يشتريها الأهل لأبنائهم إلاّ مقابل حدثٍ جلل، كأن ينجح الأخوة جميعهم في المدرسة وبعلامات مرتفعة. وقد بدأت بعددٍ محدودٍ من الألعاب قبل أن يتضاعف مع الوقت.

تذكّرتُ كل ما سبق قبل أيام وأنا جالسٌ عند الحلاّق أنتظر دوري. سأل محمد، الحلاّق الشاب، عن الزبون الذي كان من المفترض أن يكون دوره قبلنا بالحلاقة فقيل له إنه ذهب إلى شارع الجامعة الأميركية في بيروت للبحث عن "بوكيمون" بعدما تبيّن أن هناك العديد منها في تلك الناحية.

عبّر الحلاّق الشاب عن تعجّبه مما سمع. بدا الأمرُ مستغرباً له، هو الذي يتابع آخر صيحات عالم الهواتف الخلوية وتطبيقاتها.

علّق زبون آخر كان ينتظر دوره بصوتٍ مرتفع: "انتظروا قليلاً. فالآتي أفظع بعد. وستتفرجون على الناس تدور في الشوارع مثل المجانين بسبب هذه الألعاب". وضحك زبائن آخرون.

أما أنا فهلّلت لدقائق الانتظار التي باتت أقلّ في الصالون بعد هذا الخبر المبارك.

المساهمون