رفع الدعم عن الطفل الثالث في مصر، قرار أُعلِن أخيراً من قبل السلطات الرسميّة في البلاد، وسط رفض وامتعاض بين العامة وكذلك الحقوقيين. وتُطلَق تحذيرات في السياق، من مخاطر كبيرة من جرّاء تنفيذ ذلك القرار.
تتوالى القرارات التي تتّخذها الحكومة المصرية وتصبّ في غير مصلحة المصريين، فيُصاب هؤلاء بإحباط ويأس. ولعلّ آخر تلك القرارات التي فوجئ بها الشارع المصري في الساعات الماضية، هو ما أعلنه رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي عن رفع الدعم عن الطفل الثالث نهائياً مع بداية عام 2019، الأمر الذي خلّف حالة من الامتعاض بين ملايين الأسر المصرية.
ترى الحكومة المصرية أنّه لا بدّ من مواجهة الزيادة السكانية بتلك القرارات التي فسّرها مراقبون بأنّها عشوائية وغير واضحة وتزيد من يأس المواطنين. ويشير مطّلعون على الملف إلى أنّ قرار الحكومة بإضافة مواليد جدد على بطاقة التموين هو "ضحك على الأهالي" الذين سارعوا إلى إضافة أسماء أبنائهم الذين تراوح عددهم ما بين ستّة ملايين وسبعة ملايين طفل، ابتداءً من أوّل أغسطس/ آب الماضي وحتى السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
ويؤكّد مراقبون أنّ الدعم حقّ لكلّ مواطن في الدولة، خصوصاً الأطفال، نظراً إلى ما تمرّ به الأسر من ظروف اقتصادية صعبة. بالتالي فإنّ لرفع الدعم عن الطفل الثالث تأثيراً سلبياً على حياة عائلات كثيرة تعتمد عليه بصورة كبيرة. وقالوا إنّ مصر تمرّ بأزمات اقتصادية طاحنة يتحمّل وزرها الفقراء ومحدودو الدخل، علماً أنّ عجز الموازنة يقترب من 300 مليار جنيه مصري (نحو 17 مليار دولار أميركي)، في حين وصل الدين العام إلى ثلاثة تريليونات جنيه (نحو 170 مليار دولار)، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع في الأسعار. كذلك فإنّ مصر تستورد معظم السلع بالدولار وسط تراجع كبير في الصادرات إلى الأسواق الخارجية، في حين تواجه البلاد ارتفاعاً في أسعار المنتجات الزراعية. وقد أعاد المراقبون ذلك إلى السياسات الخاطئة التي تتّبعها الحكومة التي تفتقر، بحسب ما يؤكدون، إلى رؤية واضحة للإصلاح.
في السياق، يشير رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، حافظ أبو سعدة، إلى أنّ "قرار رئيس الحكومة يُعَدّ مخالفة قانونية للدستور المصري الذي يؤكّد مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، بحسب ما جاء في المادة 40 منه". ويعبّر عن رفضه لقرار رئيس الحكومة بإنجاب طفلَين فقط، قائلاً إنّه "كان لا بدّ من التحرّك لتوعية الأسر وحثّ المواطنين على الحدّ من الإنجاب، والتوعية حول مخاطر تضخّم الكثافة السكانية، وتوفير وسائل منع الحمل مجاناً". يضيف أنّ "رفع الدعم عن الطفل الثالث سوف يؤدّي إلى التسرّب الدراسي وزيادة الأميّة بصورة كبيرة، الأمر الذي يمثّل خطراً كبيراً على مستقبل مصر". من جهته، يقول رئيس المنظمة المصرية المتحدة لحقوق الإنسان، محمد عبد النعيم، إنّه "لا يجوز لأيّ كان منع الدعم عن المولود الثالث"، لافتاً إلى أنّ "مصر دولة كبيرة وتتضمّن مساحات شاسعة تستوعب مليار نسمة. لكنّنا في حاجة إلى تخطيط جيّد يتيح الفرصة للتوسّع العمراني والزراعي واستغلال القوة البشرية".
من جهة أخرى، يأتي قرار رئيس الوزراء مخالفاً للشريعة الإسلامية التي نصّ الدستور على أنّها المصدر الرئيسي للتشريع في هذه الجزئية، فيضرب عرض الحائط بما أكّده العلماء المسلمون حول أنّ تنظيم النسل يكون باتفاق الزوجَين وبحساب قدراتهما الإنفاقية من دون تدخّل تشريعي عقابي. ويرفض رئيس لجنة الفتوى السابق في الأزهر، الشيخ عبد الحميد الأطرش، ذلك القرار، موضحاً أنّ "الدولة تنظر فقط بمنظور اقتصادي إلى تحديد النسل وتنظيم الأسرة". ويلفت الأطرش إلى أنّه "لو أيقنت الدولة بأنّ الرزق بيد الله فإنّ الأزمة سوف تُحَلّ".
وكان عدد من أعضاء مجلس النواب قد أثاروا موضوع رفع الدعم عن الطفل الثالث بداية، ومن بين هؤلاء النائب محمد أبو حامد الذي أكد أنّه انتهى من إعداد مقترحه الخاص حول الموضوع، مؤكداً أنّ التشريع يلقى قبولاً وترحيباً من قبل زملائه، وذلك لمواجهة الزيادة السكانية. وقد شدد على أهميّة تنظيم الأسرة في مصر، خصوصاً في ظلّ الأزمات الاقتصادية. كذلك، أعلن النائب محمد المسعود أنّه تقدّم بمشروع قانون حول تنظيم الأسرة، يهدف إلى مكافحة الزيادة السكانية ووضع حلول حقيقية لها. بدورها، كانت النائبة غادة عجمي قد تقدّمت بمشروع قانون لرفع الدعم عن الطفل الثالث، موضحة أنّها طالبت بتخصيص مبلغ معيّن لدعم الأسر، بهدف تجنّب أيّ عوائق قانونية أو دستورية. ويأتي موقف النائب يحيى كدواني مشابهاً لمواقف زملائه، فهو يرى أنّ الزيادة السكانية تلتهم أيّ معالم للتنمية بالبلاد، مطالباً بضرورة رفع الدعم عن الطفل الثالث من خلال حرمانه من الدعم في التعليم والسلع التموينية وغيرهما.
في مقابل هؤلاء، رفضت عضو مجلس النواب هالة أبو السعد رفع الدعم عن الطفل الثالث، مؤكدة أنّه غير قانوني. وقد أشارت إلى أنّ المواطن المصري يئنّ في الوقت الحالي من جرّاء رفع الدعم عن بعض الخدمات، متسائلة: كيف نطالب برفع الدعم عن الطفل الثالث الآن، في ظل الظروف التي يمرّ بها الأهالي بمعظمهم؟