فرنسا: شوفنمان العلماني على رأس مؤسسة "من أجل الإسلام"

16 اغسطس 2016
انبثاق إسلام فرنسي متوافِق مع الجمهورية (باتريك كوفاريك/Getty)
+ الخط -

خرج السياسي الفرنسي المخضرم، جان بيير شوفنمان، الاثنين، عن صمته بعد خبر تعيينه على رأس "المؤسسة من أجل الإسلام في فرنسا"، وأعلن عن قبوله بهذا التعيين، من قبل وزارة الداخلية والأديان الفرنسية، من أجل "إدماج أفضل للإسلام في الجمهورية".

وكشف وزير الداخلية الأسبق، في لقائه مع صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية، أنّ وزير الداخلية، برنارد كازينوف، فاتَحَه في الموضوع بداية سنة 2016، "بسبب ما أنجزتُه سنة 1999 من استشارات مستفيضة حول الإسلام".

ورأى شوفنمان، وهو شخصية نافذة في اليسار الفرنسي، أن الأمر يتعلق بالمنفعة العامة "حتى يكون بمستطاع نحو 4 ملايين و100 ألف مسلم في فرنسا، أن يمارسوا ديانتهم في ظل احترامٍ للعلمانية ومبادئ الجمهورية. وهي مسؤولية لا يجب التهرب منها". وكشف أنه تحدث إلى مسؤولين سياسيين من الحكومة ومن المعارضة عن "مصلحة فرنسا في اشتغال هذه المؤسسة".

وعن الانتقادات التي طاولت تعيينَ شخصية سياسية وغير مسلمة رئيسا لهذه المؤسسة، يقول شوفنمان، إن "ما اقتُرح عليّ هو رئاسة المؤسَّسَة من أجل أعمال الإسلام في فرنسا، والتي تتوجه نحو المصلحة العامة، وليس الجمعية الثقافية التي ستتكئ عليها". وأضاف أن "الرئيس المقبل لهذه المؤسسة لن يكون مُكلَفا بترقية الإسلام. أنا لا أمتلك أي لقب ولستُ مسلما، أنا جمهوري علماني. والعلمانية ليست متجهة ضد الدين، بل هي تُحرّرُ ما هو روحي من تأثير الدولة"، ووعد بألا "يتدخل في المجال الديني".

ورأى أن "انبثاق إسلام فرنسي متوافِق مع الجمهورية عمل طويل الأمد، وهو أفضل جواب على صعود الإرهاب، ويتوافَق مع مصلحة المسلمين، ومع مصلحة فرنسا، أيضا".

وكشف أنه "من أولى الإجراءات التي ستتخذها المؤسسة هي تكوين الأئمة، الذين سيتم تلقينهم معنى المواطنَة الفرنسية واللغة الفرنسية والمبادئ العامة للقانون، خصوصاً تلك التي تنظم العلاقات بين الديانة الإسلامية والسلطات العمومية. كما ستقوم المؤسَّسَة بترقية مشاريع ثقافية يكون هدفها التعريف بالحضارة الإسلامية، وأيضا التفكير في إنشاء معهد للبحث الدنيوي في الإسلامولوجيا". 


ويعترف جان بيير شوفنمان أنه "طرح شرطَيْن اثنين من أجل تولي هذا المنصب، وهما حظر التمويل الأجنبي حتى يتمَّ كل شيء في ظل الشفافية، ويكونَ الإسلام الفرنسي متعلقا بأموال يتم جمعها في فرنسا. أما الشرط الثاني، فهو أن قبولي المبدئي لهذا المنصب لا يعني، بأي حال، أنني سأتخلى عن حريتي في التعبير، باعتباري رجلا سياسيا عريقا". وعبّر عن أمله في انبثاق "وحدة وطنية"، بسبب "المآسي التي يعيشها بلدي والامتحانات التي ينتظرها".

وفي بادرة إقناع للمسلمين المترددين، يقول شوفنمان، إن "مجلس الدولة"، يُفرّق بين المؤسسة ذات المصلحة العمومية، والتي تتحمل مسؤوليات الأنشطة الدنيوية، وبين الجمعية الثقافية، التي تتكلف بالشأن الديني. ويبدو لي أن الإسلام الفرنسي، بما فيه الجانب الثيولوجي، الذي لا أتدخل فيه، يجب أن يتطور بأموال فرنسية، أو أن يتمَّ وضع آلية شفافية في غياب كل "إعلان" من جانب المانحين. وهو ما يعني أن الجمعية هي وحدها من لها حق اختيار المشاريع".

وفيما يخص موقفه من قضايا الحجاب في الجامعات ووجبات الحلال في المطاعم المدرسية، استشهد بموقف عميد مسجد بوردو، طارق أوبرو، الذي نصح مسلمي فرنسا، خصوصاً في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها فرنسا بـ"الاتزان".

ورأى أن من واجب كافة المواطنين اللجوء، في الفضاء العمومي، إلى "المنطق الطبيعي". وهو مبدأ، يقول شوفنمان إن "الرسول محمدا أوصى به أربعاً وأربعين مرة، حسب المستشرق جاك بيرك". وشدد شوفنمان على أن "مستقبل الشباب المنحدرين من الهجرة هو فرنسا، وليس أي مكان آخر". ورأى أنه "إذا كنّا نحبّ فرنسا، فيجب أن نجعل من الفرنسيين المسلمين، فرنسيين، مثل الآخرين، يمتلكون رغبة في العمل من أجل نهضة فرنسا"، وإلا فإنه "في حالة ما إذا غرقت سفينة فرنسا"، فإن "كل ركّابها سيغرقون".       

وترشح شوفنمان للانتخابات الرئاسية الفرنسية في عام 2002، بعدما شغل منصب رئيس بلدية بلفور. وانتخب عضوا في مجلس الشيوخ عن إقليم بلفور في عام 2008. وهو أحد مؤسسي الحزب الاشتراكي ومؤسس حركة الجمهوري والمواطن (MRC).

ومن أهم ردود الفعل الإسلامية الفرنسية، لحد الآن، على تعيين جان بيير شوفنمان رئيسا "للمؤسسة من أجل الإسلام في فرنسا"، ما صدر اليوم عن الشيخ طارق أوبرو، الذي يحظى باحترام وتقدير كبيرين في فرنسا. وصدرت بحق أوبرو، قبل أشهر، فتوى من قبل تنظيم (داعش) تهدر دمه، وتتحدث عن "ضلاله".

وأعلن طارق أوبرو، الذي يعتبر إلى جانب المفكر السويسري طارق رمضان، من أكثر الأصوات الإسلامية تأثيرا في الوسط الإسلامي الفرنسي، عن "بعض الحَرَج من هذا التعيين. أنا أعتقد أن العلمانية تُحرّر الجمهورية من القانون الديني، لكنها، أيضا، تُحرّرُ الدينَ من تدخّلات السياسة، وأرى أن على المسلمين أن يُنظّموا أنفسهم، انطلاقا من تقاليدهم، وأن تحرص الجمهورية على تطبيق القانون، القانون وحده".

كما عبّر أوبرو عن تفهمه للقلق المسيحي الفرنسي (الذي عبّر عنه استطلاع كشف أن 55 في المائة من الكاثوليكيين المتدينين يرون في حضور المسلمين في فرنسا "تهديدا لهوية فرنسا"). ولكن أضاف أنه يمكن أن نعثر على نفس القلق لدى المسلمين، لأن الإرهاب "يضرب الجميع".

وطالب الشيخ طارق أوبرو الجميعَ بالقيام بأدوارهم، أي المَدرسة والأئمة، وأيضا وسائل الإعلام التي يجب أن تقوم بدور تربوي في التفسير، وكذلك رجل السياسة الذي يجب أن يكون متزنا في مواقفه وتصريحاته.

 يُذكر أن مسلمي فرنسا سبق أن عبروا عن استيائهم من تجاهل السلطات لهم. وأكدوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي أنّ الكثير من القرارات التي تهمهم تتخذ من دون التنسيق معهم أو استشارتهم، في إشارة إلى تعيين شوفنمان.

دلالات
المساهمون