سوريّون في الجزائر.. العين هنا والقلب هناك

20 يوليو 2015
ريما وعلي لا يشعران بالغربة هنا (العربي الجديد)
+ الخط -


منذ الصباح الباكر، ارتدى علي وشقيقته ريما ملابس العيد وخرجا للعب مع أطفال الحيّ في شارع زروقي وسط مدينة ميلة (شرق الجزائر). لم يشعر علي بالغربة في الجزائر، هو الذي لجأ إليها مع عائلته من مدينة حمص السورية (غرب) قبل سنتَين. أما ريما، فتصرّ على عرض الحناء على يدها، لكل من يمرّ بالقرب من منزلهما.

اعتاد أطفال الحيّ على جارَيهم علي وريما الآتيَين من حارات سورية، مع عائلتهما التي استأجرت مسكناً في الجوار. هنا، وجدت العائلة كل الدعم والتعاون من قبل سكان الحيّ. وفي خلال شهر رمضان المنصرم، كانت هذه العائلة تتبادل والعائلات التي تسكن بجوارها، أطباق الإفطار. كذلك وبسرعة، صار ثلاثة من شباب هذه العائلة السورية أعضاءً في فرق كرة القدم المؤلفة من أبناء الحيّ، والتي تتبارى في ما بينها في ملعب صغير في الأرجاء.

لا يدرك علي كلّ تفاصيل المشهد السوري الدامي، لكنه يخبر "العربي الجديد" بأنه يحنّ إلى بيتهم في حمص، وإلى "رفاقي الصغار الذين كنت ألعب معهم في سورية. الآن، لم أعد قادراً على ذلك. الآن، في سورية حرب وطائرات ودمار. شاهدت ذلك في التلفزيون". وبعيداً عن المشهد الدامي، علي متحمّس وكذلك شقيقته. هو سوف يدخل المدرسة في السنة المقبلة بعد أشهر. يقول: "وعدوني أن أدرس في المدرسة السنة المقبلة وأتعلّم الحروف. سوف أحصل على محفظة وكتب وكراسات".

وعائلة علي كانت تعيش وسط ظروف مريحة في سورية. الوالد كان يعمل مسؤولاً في مصنع، قبل أن ينقلب الحال مذ اشتدت الأزمة ودخلت البلاد في نفق الصراع الدامي بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد وبين المعارضة بشقّيها السياسي والعسكري، قبل أن تتدخّل التنظيمات المتشددة وتنخر العوامل الطائفية والمذهبية والجغرافية وكذلك الحسابات السياسية الإقليمية والتدخلات الدولية ما تبقى من الجسد السوري.

أكرم، شاب سوري من مدينة حماة (وسط)، يقطن اليوم في المسكن نفسه مع عائلة علي. يروي لـ"العربي الجديد" أنه وصل إلى الجزائر "قبل خمسة أيام من بدء تطبيق القرار القاضي بوجوب توفّر تأشيرة دخول مع السوريين الوافدين إلى البلاد. قبل ذلك، كنت في بيروت التي وصلت إليها في عام 2012، هرباً من جحيم الحرب في سورية". هو التحق بزوجته في الجزائر، لكنه ترك وراءه أهله في بيروت. لا يبدو أكرم في حالة ضيق، هو اندمج بشكل جيّد مع جيرانه الجزائريين. لكنه يتأسف كثيراً على "فرض التأشيرة التي تعيق إمكانية إحضار أهلي من بيروت. وضعهم في لبنان ليس حسناً".

اقرأ أيضاً: مأساة عائلتين سوريتين على الحدود الجزائرية ــ المغربية

في هذا السياق، يقول مسؤول أمني، فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إن "فرض التأشيرة على الرعايا السوريين جاء في سياق حزمة من التدابير الأمنية المتعلقة بمنع تسلل عناصر جهادية متطرفة من أنصار تنظيم داعش، إلى البلاد". ولفت إلى أن "التنظيم الإرهابي وضع الجزائر في دائرة الاستهداف. ويظهر ذلك جلياً من خلال الشريط المصور الذي بثّه أخيراً وتحدث فيه جزائريون من عناصره عن تهديدهم للجزائر والنظام الجزائري. وهذا ما يشكّل أكثر من دافع للتحرّز والحيطة الأمنية".

وعائلة علي هي واحدة من عائلات سورية كثيرة لجأت إلى الجزائر، فالبلاد تضمّ اليوم 122 ألف لاجئ سوري، وصل أكثرهم قبل بداية يناير/ كانون الثاني 2015. ومنذ ذلك التاريخ، فرضت السلطات الجزائرية بعد ضغوط من قبل السلطات السوريّة، تأشيرات دخول على المواطنين السوريين الراغبين في الانتقال إلى الجزائر. يُذكر أنه قبل ذلك التاريخ، استغل آلاف السوريين عدم فرض تأشيرة دخول بين سورية والجزائر، ولجأوا إلى الأخيرة حيث ظروف الإقامة مريحة والدعم مؤمّن من قبل الحكومة الجزائرية، بأمر من رئيس البلاد عبد العزيز بوتفليقة الذي عاش فترة من منفاه السياسي في ثمانينيات القرن الماضي في دمشق. وقد وفّرت الحكومة للاجئين السوريين أكثر من مخيّمَين في العاصمة الجزائرية وحدها، الأول خصّص للعائلات والثاني لإقامة الشباب العازبين.

إلى ذلك، قدّمت السلطات الجزائرية تسهيلات لتشغيل السوريين، وقد وجد بعضهم في هذه التسهيلات فرصة مناسبة لفتح  ورش خياطة ومطاعم. على سبيل المثال، فتح أحمد (اسم مستعار)، أحد اللاجئين السوريين، ورشة خياطة في منطقة كاليتوس في الضاحية الجنوبية للعاصمة الجزائرية، ونجح في توسيعها لتستوعب أكثر من عشرة عمال شباب وتغطّي حاجة أسواق في العاصمة الجزائرية من العباءات النسائية التي كانت تستورد سابقاً من سورية وتركيا. كذلك لفت انتشار المطاعم  السورية في العاصمة والمدن الجزائرية، النظر إلى توسّع نشاط اللاجئين السوريين هنا.

وعلى الرغم من هذه الظروف التي تعدّ أفضل بكثير بالمقارنة مع وضع اللاجئين السوريين في دول أخرى مثل لبنان والأردن وغيرهما، إلا أن عدداً من هؤلاء الذين وصلوا إلى الجزائر لجأوا إلى التسوّل أمام المساجد وفي الطرقات، فيما يقوم بعضهم ببيع كتب الأدعية أو المناديل في الشارع. أما آخرون، فقد اختاروا تجربة الهجرة السرية. بعضهم حاول التسلّل عبر الحدود البريّة باتجاه ليبيا ومن هناك ركوب "قوارب الموت" إلى أوروبا، أو التسلل عبر الحدود البرية إلى المغرب في محاولة لبلوغ إسبانيا. وقد أوقفت مصالح الأمن والجيش الجزائرية في أكثر من مرّة رعايا سوريين على الحدود، وهم يحاولون التسلل إلى خارج البلاد بطريقة غير شرعية باتجاه ليبيا أو المغرب.

صحيح أن ظروف عيش بعض اللاجئين السوريين في الجزائر مقبولة بالنسبة إليهم، إلا أن ذلك لا يلغي ألم الغربة وفراق الوطن والأحبة والجيران ولا ينسيهم الأزمة الدامية في بلادهم. أكثرهم لا يجد جدوى من الأمل في العودة إلى الوطن أو في استعادة سورية أمنها وسلامها المفقودَين، لكن بعضهم ما زال يحيا بقليل من الزاد وقليل من الأمل أيضاً.

اقرأ أيضاً: اللجوء السوري في تونس.. قصص المعاناة والحنين